للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيْهِ. (وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ سُكَّانِهَا فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُجَاوِرُونَ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ (مِنْ الطَّوَافِ) لِئَلَّا يُزَاحِمُوا الْغُرَبَاءَ (وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ) وَهُمْ أَهْلُ الْمَوْسِمِ (أَحَبُّ) إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ (لِ) قِلَّةِ (وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ) وَهَذَا آخِرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ.

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَاذَا يَجِبُ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمَا يَحْرُمُ فَقَالَ (وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضَ عَيْنٍ (غَضُّ الْبَصَرِ) أَيْ كَسْرُ الْعَيْنِ (عَنْ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ الْمَحَارِمِ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَمْرَدِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] (وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى) إلَى الْمَحَارِمُ (بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ) أَيْ قَصْدٍ (حَرَجٌ) أَيْ إثْمٌ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) حَرَجَ (فِي النَّظَرِ إلَى الْمُتَجَالَّةِ) الَّتِي لَا أَرَبَ فِيهَا لِلرِّجَالِ وَلَا يُتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا (وَ) كَذَا (لَا) حَرَجَ (فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ) وَتَأَمُّلِ صِفَتِهَا (لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا) فِي نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُ الشَّاهِدِ

ــ

[حاشية العدوي]

حُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِهَا حَيْثُ كَانَ يُعْرَفُ كَمَا فِي عج [قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُجَاوِرُونَ] أَيْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ بَعْدَ الْمَوْسِمِ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ الْمُرَادُ بِالْمُجَاوِرِينَ الَّذِينَ طَالَتْ مُدَّتُهُمْ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ. [قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ] ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا يَكُونُ حَوْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَيَتَيَسَّرُ، وَلَوْ لِلْخَارِجِ مِنْ مَكَّةَ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ فِي الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلَ مِنْ الطَّوَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْغُرَبَاءِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَفْضَلِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِمُسَاوَاةِ النَّافِلَةِ لِلْفَرِيضَةِ فِي الْفَضِيلَةِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا آخِرُ] أَيْ قَوْلُهُ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ.

[قَوْلُهُ: مَاذَا يَجِبُ] أَيْ جَوَابُ مَاذَا يَجِبُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْجَوَارِحِ] أَيْ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ، وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّخْصِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْجَوَارِحِ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ عَلَى عَدَدِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْفَرَائِضِ] أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِالْفَرْضِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مُخَالَطَةَ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُكَلَّفِ مُخَالَطَتُهُ لِئَلَّا يَتَطَبَّعَ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ ذَرِيعَةً لِلْفَسَادِ [قَوْلُهُ: غَضُّ الْبَصَرِ] قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَبِيرَةٌ وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ الْجَوَارِحِ آفَةً عَلَى الْقَلْبِ، وَأَسْرَعُ الْأُمُورِ فِي خَرَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا اهـ.

[قَوْلُهُ: أَيْ كَسْرُ الْعَيْنِ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَصَرِ الْجَارِحَةُ الْمَعْلُومَةُ لَا الْإِدْرَاكُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ] أَيْ يَحْرُمُ اسْتِمْتَاعُهُنَّ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ] رَاجِعٌ لِلْأَمْرَدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يَجِبُ غَضُّهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِقَارِ أَوْ فِي كِتَابِ إنْسَانٍ لِخَبَرِ: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا نَظَرَ فِي فَرْجِ أُمِّهِ» . [قَوْلُهُ: مِنْ أَبْصَارِهِمْ إلَخْ] اُخْتُلِفَ فِي مِنْ فَقِيلَ لِلتَّبْعِيضِ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ أَظْهَرُ مَا فِيهَا وَالْمُرَادُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا يَحْرُمُ وَالِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ، وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ وَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ كَوْنَهَا زَائِدَةً وَأَبَاهُ سِيبَوَيْهِ يَعْنِي: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَادُ عِنْدَهُ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ قَالَهُ تت.

وَانْظُرْ كَيْفَ تُجْعَلُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَضَّ اسْمٌ لِلْكَسْرِ وَالْبَصَرَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ التَّبْعِيضَ بِاعْتِبَارِ مَنْظُورِهَا لَا بِاعْتِبَارِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ قَصْدٍ] أَيْ لِلنَّظَرِ عَنْ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ] بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ لَا حَاجَةَ لِلرِّجَالِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا] أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا مَنْ يَلْتَذُّ بِهَا فَيُنَزَّلُ عَلَى النَّظَرِ لِلشَّابَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. [قَوْلُهُ: لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ إلَخْ] الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلشَّابَّةِ أَيْ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ بِغَيْرِ قَصْدِ التَّلَذُّذِ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَيْسَ هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعٍ] كَانَتْ بَائِعَةً أَوْ مُشْتَرِيَةً، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِ أَيْ كَإِجَارَةٍ أَيْ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ.

[قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الشَّاهِدِ الطَّبِيبُ] هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا تُعْرَفُ لِلشَّاهِدِ لَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا، فَإِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُخْشَى الِافْتِتَانُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا وَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ عَيْنِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>