للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّبِيبُ وَالْجَرَايِحِيُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ شِبْهِ الْعُذْرِ مِنْ شَهَادَةٍ فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَوْرَةِ لَكِنْ يَبْقُرُ الثَّوْبَ قُبَالَةَ الْعِلَّةِ وَيَنْظُرُ إلَيْهَا (وَقَدْ أُرْخِصَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ (لِلْخَاطِبِ) لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَاطِبِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ اتِّفَاقًا.

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضَ عَيْنٍ (صَوْنُ اللِّسَانِ) أَيْ حِفْظُهُ (عَنْ الْكَذِبِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْجُمْلَةِ.

(وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ

ــ

[حاشية العدوي]

بِوَصْفِهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَإِلَّا نَظَرَ إلَى أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ وَضَيَاعِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيُرْتَكَبُ، فَإِنْ تَسَاوَيَا اُنْظُرْ مَا الْحُكْمُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ شَهَادَةٍ] بَيَانٌ لِلْعُذْرِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ هَذَا إذَا كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا بِرُؤْيَتِهِ بِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ وَيَصِفْنَهُ لَهُ فَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ بِجَوَازِ رُؤْيَةِ الرَّجُلِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ. وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ يَبْقُرُ الثَّوْبَ قُبَالَةَ الْعِلَّةِ وَيَنْظُرُ إلَيْهَا] أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقُرْ الثَّوْبَ لَرُبَّمَا تَعَدَّى نَظَرُهُ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ. [قَوْلُهُ: لِلْخَاطِبِ لِنَفْسِهِ] أَيْ إذَا كَانَ قَصْدُهُ مُجَرَّدَ عِلْمِ صِفَتِهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ] أَيْ وَيُكْرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَالِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مِثْلِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَظِنَّةُ قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَإِنَّمَا نُدِبَ النَّظَرُ إلَى خُصُوصِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَبِرُؤْيَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ.

وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ] أَيْ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَانْظُرْ إلَيْهَا» . . . " الْحَدِيثُ. أَيْ أَرَدْت التَّزْوِيجَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ اتِّفَاقًا] ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِوَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِدُونِ لَذَّةٍ وَقَصْدِهَا.

[قَوْلُهُ: فَرْضِ عَيْنٍ] أَيْ أَعْنِي فَرْضَ عَيْنٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِخْبَارُ] أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي وُقُوعِهِ.

قَالَ عج: الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَنَّ كَذِبَ الْخَبَرِ هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ طَابَقَ الِاعْتِقَادَ أَمْ لَا، وَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلِاعْتِقَادِ، وَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ وَالِاعْتِقَادِ، وَيَتَّجِهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِمَا طَابَقَ اعْتِقَادَهُ وَكَانَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ قَالَهُ عج.

وَمَصْدُوقُ الشَّيْءِ زَيْدٌ مَثَلًا أَيْ بِأَنْ تَقُولَ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَلَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَقَدْ أَخْبَرْتُ عَنْ زَيْدٍ حَالَةَ كَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَيْ زَيْدٌ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي مِثَالِنَا عَدَمُ الْقِيَامِ وَقْتَ أَخْبَرْت بِالْقِيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّيْءِ الْقِيَامَ مَثَلًا أَيْ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ الْقِيَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُخْبِرَ بِثُبُوتِهِ وَاَلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ انْتِفَاؤُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ إلَخْ] فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَأَكْذِبُ عَلَى امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَإِنْ قُلْت لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْخَيْرِيَّةِ يُجَامِعُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى الْعُمُومِ يُؤْذِنُ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ قَدْ يَتَّصِفُ بِالْخَيْرِيَّةِ بِالنِّيَّةِ كَأَنْ يَقْصِدَ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى عِبَادَةِ الْمَوْلَى، وَالْمَكْرُوهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِ النَّفْيُ الْعَامُّ إلَّا أَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ مُؤْذِنٌ عُرْفًا بِثُبُوتِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الشَّرُّ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، أَحَدُهَا: الْوُجُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>