للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ.

(وَ) حَرَّمَ أَكْلُ (مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) أَيْ مَا ذُبِحَ وَرُفِعَتْ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلُ أَنْ يَذْكُرُوا عَلَيْهِ اسْمَ الْمَسِيحِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْلَ (مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) كَالْأَصْنَامِ، وَفِي كَلَامِهِ هُنَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: فِي الضَّحَايَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ مُعَارَضَةٌ. ع: أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَيَبْقَى مَا فِي الضَّحَايَا عَلَى إطْلَاقِهِ.

(وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْلَ (مَا) أَيْ الَّذِي (أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ تَرَدٍّ) أَيْ سُقُوطٌ مِنْ عُلُوٍّ إلَى سُفْلٍ مِثْلُ أَنْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ) وَيُذَكَّى فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ الذَّكَاةِ أَوْ السُّقُوطِ (أَوْ) أَيْ وَكَذَلِكَ حَرَّمَ مَا أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ (وَقْذَةٌ) أَيْ رَمْيَةٌ (بِعَصًا أَوْ غَيْرِهَا) كَالْحَجَرِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْمُنْخَنِقَةَ) أَيْ أَكْلَهَا وَهِيَ مَا تُخْنَقُ (بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِثْلُ أَنْ تُخْنَقَ بَيْنَ عُودَيْنِ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] إلَخْ الْآيَةُ وَتَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ.

(إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى) أَكْلِ (ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهَا (كَ) الْمُضْطَرِّ لِأَكْلِ (الْمَيْتَةِ وَذَلِكَ) أَيْ تَحْرِيمُ أَكْلِ الْمُتَرَدِّيَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا (إذَا صَارَتْ بِذَلِكَ) الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ التَّرَدِّي أَوْ الْوَقْذُ أَوْ الْخَنْقُ (إلَى حَالٍ لَا حَيَاةَ بَعْدَهُ) عَادَةً فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ (فَلَا زَكَاةَ) تُؤَثِّرُ (فِيهَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا أَمْ لَا (وَلَا بَأْسَ لِلْمُضْطَرِّ) الَّذِي بَلَغَ الْجُوعُ مِنْهُ مَبْلَغًا يَخَافُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ (أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ) مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ أَفْضَلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَرُفِعَتْ عَلَيْهِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلْإِهْلَالِ، [قَوْلُهُ: مُعَارَضَةٌ] وَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ذَبَائِحُهُمْ لِقَصْدِ عِيسَى مَثَلًا أَيْ فَيَكُونُ مُفِيدًا لِحِلِّ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ] أَيْ فَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُهِلَّ عَلَيْهَا رَأْسًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ شَيْءٍ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ عَطْفُ قَوْلِهِ: أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ.

[قَوْلُهُ: وَيَبْقَى مَا فِي الضَّحَايَا عَلَى إطْلَاقِهِ] حَاصِلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ مُطْلَقًا أُهِلَّ عَلَيْهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ لَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَبْحَ الْكِتَابِيِّ لَا يَحِلُّ إذَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا.

[قَوْلُهُ: فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. . . إلَخْ] وَسَكَتَ عَنْ النَّطِيحَةِ وَهِيَ الْمَنْطُوحَةُ وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ وَهِيَ الَّتِي يَضْرِبُهَا السَّبُعُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَرَدِّيَةِ كَذَا ذُكِرَ فِي التَّحْقِيقِ.

[قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، أَيْ وَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا تَحْقِيقًا، أَوْ شَكًّا لَمْ تُفِدْ الذَّكَاةُ فِيهَا.

وَأَمَّا إذَا لَمْ تُنْفَذْ مَقَاتِلُهَا فَالذَّكَاةُ مُفِيدَةٌ فِيهَا وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا. [قَوْلُهُ: الَّذِي بَلَغَ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَحَصَلَ لَهُ الْهَلَاكُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْ ظَنَّهُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ يُشْرِفُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُهُ، أَيْ وَيَشْرَبُ مِنْ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ سِوَى مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَالْخَمْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ الْعَطَشَ إلَّا لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُسِيغُهَا غَيْرُهُ، وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْغُصَّةِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا إلَّا لِقَرِينَةِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا.

[قَوْلُهُ: مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مَا عَدَا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ. [قَوْلُهُ: فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ] أَيْ فَيَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِخِلَافِ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣]] دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ بَاغٍ] أَيْ لِلَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَا عَادٍ} أَيْ وَلَا مُعْتَدٍ بِأَكْلِهَا بِأَنْ يَجِدَ غَيْرَهَا أَيْ فَيَكُونَ قَوْلُهُ غَيْرَ بَاغٍ. . . إلَخْ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ. [قَوْلُهُ: عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ] وَمُقَابِلُهُ الْجَوَازُ أَيْ وَقَدْ صُحِّحَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي الْحُرْمَةِ وَهَلْ هِيَ تَعَبُّدٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>