للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ خَرَجَا مِنْ الْهِجْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَقَدْ خَرَجَ الْمُسَلِّمُ فَقَطْ (وَ) إذَا سَلَّمَ فَ (لَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ بَعْدَهُ إسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ (وَالْهِجْرَانُ الْجَائِزُ) شَيْئَانِ الْأَوَّلُ (هِجْرَانُ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (الْبِدْعَةِ) الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَدَرِيَّةِ ك: وَفِي هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ مِثْلُ تَطْوِيلِ الثِّيَابِ عِنْدِي نَظَرٌ، وَالثَّانِي: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مُتَجَاهِرٍ) أَيْ مُعْلِنٍ (بِالْكَبَائِرِ) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ (لَا يَصِلُ إلَى عُقُوبَتِهِ) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى عُقُوبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ، أَمَّا إذَا خَافَ مِنْهُ إذَا تَرَكَ مُخَالَطَتَهُ فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

هِجْرَانًا مُحَرَّمًا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِثْمِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنْ يَنْبَغِيَ بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْكَلَامِ وَهَذَا صَادِقٌ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ عَدَمِ التَّرْكِ أَيْ اسْتِحْبَابُ الْكَلَامِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَوَّلَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ بِزِيَادَةِ لَا بَعْدَ أَنْ وَأَنَّ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي يُسْتَحَبُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَإِذَا سَلَّمَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ عَدَمُ التَّرْكِ، أَيْ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِرْسَالُ عَلَى كَلَامِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَرَكَ وَإِنْ صَدَقَ بِجَوَازِ التَّرْكِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ اسْتِحْبَابُ الْكَلَامِ بِحَيْثُ صَارَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ عُرْفًا.

تَنْبِيهٌ.

إذَا تَرَكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَانَ هِجْرَانًا ثَانِيًا يَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ إثْمِهِ. [قَوْلُهُ: إسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ] أَيْ وُجُودَ الظَّنِّ السَّيِّئِ بِهِ وَهُوَ ظَنُّ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْهِجْرَانِ. [قَوْلُهُ: الْجَائِزُ] أَيْ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: الْبِدْعَةِ] قَالَ ك: الْبِدْعَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يُعْهَدُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: الْمُحَرَّمَةِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْخَمْسَةِ وَاجِبَةٍ كَتَدْوِينِ أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ كَالْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَهْمُ الْكِتَابِ وَضَبْطُ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ بِحِفْظِهَا وَكِتَابَتِهَا، وَمَنْدُوبَةٍ كَإِحْدَاثِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ، وَمُحَرَّمَةٍ كَالِاعْتِزَالِ وَوَضْعِ الْمُكُوسِ، وَمَكْرُوهَةٍ كَتَطْوِيلِ الثِّيَابِ، وَمُبَاحَةٍ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ.

[قَوْلُهُ: كَالْقَدَرِيَّةِ] هُمْ اثْنَا عَشْرَ فِرْقَةً: خَمْدِيَّةٌ ثَنَوِيَّةٌ كَيْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ شَرِيكِيَّةٌ وَهْمِيَّةٌ رُوَيْدِيَّةٌ نَاكِشِيَّةٌ مُتَبَرِّيَةٌ قَاسِطِيَّةٌ نِظَامِيَّةٌ مَنْزِلِيَّةٌ، مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَدَرِيَّةُ كُلُّهُمْ فَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرًا وَهُوَ عِنْدَ الْخَلْقِ إيمَانٌ، وَلَا يَرَوْنَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضًا.

وَيَقُولُونَ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مِنْ الْإِنْسَانِ لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَظُنُّونَ أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ فِي الرُّؤْيَا لَا فِي الْيَقِظَةِ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَمُؤْمِنُونَ عِنْدَ اللَّهِ أَمْ كَافِرُونَ، وَتَخْتَلِفُ فِي أَشْيَاءَ مُبَيَّنَةٍ فِي مَحَلِّهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى جَلْبِهَا، وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَالْقَدَرِيَّةِ الْفِرَقُ الرَّافِضِيَّةُ وَهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ. [قَوْلُهُ: وَفِي هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ] أَيْ إبَاحَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِذْنُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: مِثْلِ تَطْوِيلِ الثِّيَابِ] أُدْخِلَ تَحْتَ مِثْلِ تَوْسِيعِهَا وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَثْمَانِهَا وَتَزْيِينِ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. [قَوْلُهُ: عِنْدِي] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نَظَرٌ أَيْ وَفِي إبَاحَةِ هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ وَعَدَمُ الْإِبَاحَةِ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ تَرَدُّدٌ عِنْدِي، أَيْ وَلَا أَعْرِفُ الْحَالَ عِنْدَ غَيْرِي، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ الشِّقَّ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَانَ يَحْرُمُ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُرْتَكَبُ الْمُحَرَّمُ لِأَجْلِ مَكْرُوهٍ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: الْحُرْمَةُ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ فِي هِجْرَانِ غَيْرِ الْمُرْتَكِبِ مَا لَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: بِالْكَبَائِرِ] أَيْ بِالْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي فَرْدٍ أَيْ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَسَرِقَةٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى عُقُوبَتِهِ] أَيْ إذَا كَانَ لَا يَتْرُكُهَا إلَّا بِالْعُقُوبَةِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَالْحَدِّ وَبَقِيَّةِ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَالظَّاهِرُ إنْ قَدَرَ عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَبْلُغُ بِالْعُقُوبَةِ الْحَدَّ وَيُجَاوِزُهُ إنْ رَآهُ زَاجِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ: لَا يَتَجَاوَزُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُ] أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>