للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُدَارَاةَ صَدَقَةٌ (وَ) الْآخَرُ شَيْئَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنَّهُ (لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ) أَيْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا (أَوْ) لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ (لَا يَقْبَلُهَا وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ) أَيْ الْمُبْتَدِعِ وَالْمُجَاهِرِ (فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا) بِالْفِسْقِ بِالِاعْتِقَادِ وَبِالْجَارِحَةِ فَقَطْ إذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِمَا (وَلَا) تَجُوزُ غِيبَتُهُمَا فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إلَّا (فِيمَا يُشَاوَرُ فِيهِ) أَيْ الَّذِي تُشْرَعُ فِيهِ الْمُشَاوَرَةُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ (لِ) أَجْلِ (نِكَاحٍ أَوْ) لِأَجْلِ (مُخَالَطَةٍ) كَالشَّرِكَةِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ لِيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ أَمْ لَا (وَ) كَذَا (لَا) غِيبَةَ (فِي تَجْرِيحِ شَاهِدٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ التَّجْرِيحِ كَالْإِمَامَةِ لِلصَّلَاةِ.

(وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ــ

[حاشية العدوي]

فَعَلَيْهِ أَنْ يُدَارِيَهُ وَرُبَّمَا وَجَبَتْ.

قَالَ عِيَاضٌ: الْمُدَارَاةُ إعْطَاءُ الْمَالِ لِيَسْلَمَ الدِّينُ وَالدُّنْيَا، وَالْمُدَاهَنَةُ إعْطَاءُ الدِّينِ لِيَسْلَمَ مَالُهُ وَدَمُهُ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُدَارَاةُ هِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ لِاكْتِفَاءِ الشَّرِّ وَحِفْظِ الْوَقْتِ، وَالْمُدَاهَنَةُ إظْهَارُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنْ الدُّنْيَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ] أَيْ لِشِدَّةِ تَجَبُّرِهِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا] أَيْ لِعَدَمِ عَقْلٍ وَنَحْوِهِ.

وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَجْرِهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الْكَبَائِرِ بِعُقُوبَتِهِ بِيَدِهِ إنْ كَانَ حَاكِمًا، أَوْ فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ يَرْفَعُهُ لِلْحَاكِمِ، أَوْ بِمُجَرَّدِ وَعْظِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ زَجْرُهُ وَإِبْعَادُهُ عَنْ فِعْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ بِهَجْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي ذِكْرِ. . . إلَخْ] أَيْ بِسَبَبِ ذِكْرِ حَالِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ فِي الْمُبْتَدِعِ: فُلَانٌ اعْتِقَادُهُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ، أَوْ فُلَانٌ مُعْتَزِلِيٌّ، وَفِي حَقِّ الْمُتَجَاهِرِ فُلَانٌ مُصِرٌّ عَلَى الْكَبَائِرِ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُبْتَدِعُ مُتَجَاهِرًا.

وَقَالَ بَعْضٌ: وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ غِيبَةُ هَذَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُبْتَدِعُ مُتَجَاهِرًا بِبِدْعَتِهِ كَمَا أَنَّ الْفَاسِقَ مُتَجَاهِرٌ بِكَبَائِرِهِ فَيَجُوزُ ذِكْرُ كُلٍّ بِمَا يَتَجَاهَرُ بِهِ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: بِالْفِسْقِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ تَصْوِيرِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: بِالِاعْتِقَادِ أَيْ بِمَحَلِّ الِاعْتِقَادِ لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ.

[قَوْلُهُ: إذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِمَا] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، أَوْ قَصَدَ بِذِكْرِ حَالِهِمَا تَحْذِيرَ النَّاسِ مِنْهُمَا مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ النَّاسُ فِيهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّقَانِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ غِيبَةِ هَذَيْنِ بِمَا تَجَاهَرَا بِهِ سَوَاءٌ سُئِلَ عَنْهُمَا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ نِكَاحٍ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا أَعْرِفُ فَيَجُوزُ لَهُ ذِكْرُ حَالِهِ بِقَصْدِ النَّصِيحَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَوَازُ هُنَا مَعَ النَّدْبِ عِنْدَ عَدَمِ السُّؤَالِ عَلَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَكَلَامِ غَيْرِهِ كَالْقَرَافِيِّ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّصِيحَةَ وَاجِبَةٌ حَيْثُ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ الْمَنْصُوحُ شَرَعَ فِي فِعْلِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ أَمْ لَا عَلَى الصَّوَابِ، لَكِنْ شَرَطَ الْقَرَافِيُّ فِي الْجَوَازِ أَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ عَلَى ذِكْرِ الْوَصْفِ الْمُخِلِّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَتَجَاوَزُ لِعَيْبٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: كَالشَّرِكَةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ مُجَاوَرَتُهُ وَمُرَافَقَتُهُ فِي سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي تَجْرِيحِ شَاهِدٍ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: سَوَاءٌ طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقِيلَ: إذَا طُلِبَ مِنْهُ انْتَهَى أَيْ تَجْرِيحُهُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَعِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ التَّجْرِيحُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَحْوِ التَّجْرِيحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ نَحْوِ الشَّاهِدِ أَيْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَدِّمُوهُ لِلصَّلَاةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِجِرَاحَتِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ جِرَاحَةَ الرَّاوِي مَخَافَةَ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْ مَكَارِمِ] أَيْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَعْفُوَ. . . إلَخْ] إنْ تَرَكَ الْإِنْسَانُ مَا وَجَبَ لَهُ يُقَالُ لَهُ عَافٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ الْعَفْوُ. [قَوْلُهُ: عَمَّنْ ظَلَمَك] أَيْ تَعَدَّى عَلَيْك بِشَتْمٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ. [قَوْلُهُ: وَتُعْطِيَ. . . إلَخْ] أَيْ مَنْ حَرَمَك شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ غَيْرِهِ غَيْرِ مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ فَهُوَ قَوْلُهُ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك أَيْ تُعْطِيهِ سَوَاءٌ طَلَبَهُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ. [قَوْلُهُ: وَتَصِلَ. . . إلَخْ] أَيْ تَصِلَ مَوَدَّةَ مَنْ قَطَعَكَ بَعْضُهُمْ هَذَا أَعَمُّ فِي الرَّحِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى كُلِّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَحِمٌ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>