للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتْلَى) أَيْ يُقْرَأَ (إلَّا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ) أَيْ تَعْظِيمٍ (وَبِمَا يُوقَنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيُقَرِّبُ مِنْهُ) قُرْبَ قَبُولٍ لَا قُرْبَ مَسَافَةٍ (مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ) أَيْ لِمَا يَتْلُوهُ فَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ نَهْيٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمَنْهِيُّ، أَوْ بِآيَةِ أَمْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمَأْمُورُ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا، وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا.

(وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضِ عَيْنٍ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَهُوَ مَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ (عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ)

ــ

[حاشية العدوي]

الْحَالَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِسَكِينَةٍ [قَوْلُهُ: أَيْ يُقْرَأُ. . . إلَخْ] لَمَّا كَانَتْ التِّلَاوَةُ لَا تَأْتِي إلَّا فِي مُتَعَدِّدٍ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّك تَقُولُ: قَرَأْت اسْمَهُ وَلَا تَقُولُ تَلَوْت اسْمَهُ، أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا أَنَّ السَّكِينَةَ وَمَا مَعَهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ، بَلْ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِحَرْفٍ. [قَوْلُهُ: بِسَكِينَةٍ] أَيْ طُمَأْنِينَةٍ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت وَقَوْلُهُ: أَيْ تَعْظِيمٍ كَذَا فِيهِمَا أَيْضًا زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنَى الْهُدُوءِ وَالسُّكُونِ انْتَهَى. فَيُفِيدُ أَنَّهُمَا عَلَى الْحَلِّ الْأَوَّلِ مُتَغَايِرَانِ، وَأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ غَيْرُ التَّعْظِيمِ فَمَرْجِعُ الطُّمَأْنِينَةِ إلَى سُكُونِ الْجَوَارِحِ بِحَيْثُ لَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا يُلْهِي، وَمَرْجِعُ التَّعْظِيمِ إلَى كَوْنِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ الرِّيحُ يُمْسِكُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَتَكَامَلَ خُرُوجُهُ، وَإِذَا تَثَاءَبَ يُمْسِكُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَبِمَا يُوقَنُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِسَكِينَةٍ وَمَا فِيهِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظِنَّةِ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهَا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ جَالِسًا كَجُلُوسِ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ أُسْتَاذِهِ، أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُوقَنُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ لَا حَقِيقَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُقَرِّبُ. . . إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى يَرْضَى أَيْ يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَيْ يَقْرُبُ الْمَوْلَى مِنْ الْقَارِئِ بِسَبَبِهِ، فَمِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ، أَوْ أَنَّ الْعَائِدَ مَحْذُوفٌ فَضَمِيرُ مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى الْقَارِئِ، أَيْ بِمَا يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَقْرُبُ مِنْ الْقَارِئِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعْطُوفٌ عَلَى يُوقَنُ وَالتَّقْدِيرُ وَبِمَا يُوقَنُ. . . إلَخْ.

وَبِمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ أَيْ يُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ أَيْ بِوَجْهٍ وَحَالَةٍ تُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَيُقَرِّبُ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَبِمَا يُوقَنُ. . . إلَخْ مِنْ أَفْرَادِ الْوَقَارِ الْمُفَسَّرِ بِالتَّعْظِيمِ [قَوْلُهُ: مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ] أَيْ مَعَ تَحْصِيلِ إدْرَاكِهِ لِذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِمَا يَتْلُوهُ. . . إلَخْ] رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِمَا يُتْلَى الْمَأْخُوذُ مِنْ التِّلَاوَةِ الَّتِي هِيَ الْبَدَلُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فَكَانَ الْحَدِيثُ جَارِيًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا مَرَّ. . . إلَخْ] هَذَا مِنْ ثَمَرَاتِ قَوْلِهِ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لَا أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: إنَّهُ الْمَنْهِيُّ] أَيْ لَا غَيْرُهُ مُبَالَغَةً، أَوْ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْهِيِّ، وَأَرَادَ بِآيَةِ النَّهْيِ، وَلَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ الْقَصَصَ الْوَارِدَةَ فِي شَأْنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَيُلَاحَظُ أَنَّهُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ مَضَوْا إلَّا نَظَرًا لِكَوْنِنَا نَنْتَهِي عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي أَوْجَبَتْ لَهُمْ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ. . . إلَخْ] أَتَى بِهِ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ. [قَوْلُهُ: لَا فِقْهَ فِيهَا] أَيْ لَا مَعْرِفَةَ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةُ الْجُهَّالِ فَحِينَئِذٍ فَالْمَنْفِيُّ أَصْلُ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بَاطِلَةٌ، أَوْ لَا فَهْمَ فِيهَا أَيْ لَا إدْرَاكَ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فِيهَا، وَحَاصِلُهُ لَا خُشُوعَ فِيهَا فَالْمَنْفِيُّ كَمَالُ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ أَثِمَ بِتَرْكِ الْخُشُوعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: لَا تَدَبُّرَ فِيهَا] أَيْ لَا تَأَمُّلَ لِلْمَعَانِي فِيهَا، وَأَصْلُ التَّدَبُّرِ كَمَا قَالَ بَعْضٌ النَّظَرُ فِي أَدْبَارِ الْأُمُورِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَأَمُّلٍ وَالْمَنْفِيُّ كَمَالُ الْخَيْرِ.

[قَوْلُهُ: فَرْضِ عَيْنٍ] مُلَخَّصُ عِبَارَتِهِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَ وَلَا يَظْهَرُ بَلْ إذَا تَعَدَّدَ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَغَيْرِ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ هَذَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ، أَوْ اللِّسَانِ.

وَأَمَّا بِالْقَلْبِ فَفَرْضُ عَيْنٍ وَلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْقَلْبِ شَرْطَانِ فِي الْجَوَازِ وَشَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، فَاَللَّذَانِ لِلْجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي عَالِمَيْنِ بِذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنْعَكِسَ الْأَمْرُ فَيَأْمُرَ بِمُنْكَرٍ وَيَنْهَى عَنْ مَعْرُوفٍ، وَأَنْ لَا يَخَافَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ كَنَهْيِهِ عَنْ قَذْفٍ فَيُؤَدِّيَ لِلْقَتْلِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ أَنْ يَعْلَمَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِفَادَةُ وَإِلَّا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ. [قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ] قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ، وَأَيْضًا أَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ أَوَّلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>