للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ حُكْمُهُ (فِي الْأَرْضِ) كَالسُّلْطَانِ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ إلَى ذَلِكَ) تَكْرَارٌ (فَإِنْ لَمْ) يَكُنْ مِمَّنْ (يَقْدِرُ) عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِيَدِهِ (فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) بِلِسَانِهِ (فَبِقَلْبِهِ) .

(وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ) يَعْنِي جِنْسَ الْمُؤْمِنِ الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا (أَنْ يُرِيدَ) أَيْ يَقْصِدَ (بِكُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ مِنْ الْبِرِّ) مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ (وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ الْعَمَلِ (غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ) الْكَرِيمِ (لَمْ يُقْبَلْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَنَهَى آدَمَ بَعْدَهُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَأَرَادَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. . . إلَخْ قَوْلًا وَفِعْلًا بِمَعْنَى التَّغْيِيرِ، فَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَاحْتَجْنَا لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَوْ لُزُومًا لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْقِيَاسِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى شُمُولُهُ لِلْمَنْدُوبِ وَكَذَا تَفْسِيرُ الْمُنْكَرِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْفُرُوضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كَوْنِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُمَا أَرْجَحِيَّةُ النَّدْبِ كَنَدْبِ النَّهْيِ فِي الْمَكْرُوهِ [قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ] الْوَاوُ بِمَعْنَى، أَوْ، ثُمَّ تُجْعَلُ مَانِعَةَ خُلُوٍّ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. . . إلَخْ] وَهَلْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ لَمْ تَعْرِفْهُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تُنْكِرُهُ قَوْلَانِ تت.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا نَهَى. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْيَدِ بِقَرِينَةِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ [قَوْلُهُ: بُسِطَتْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ، وَأَرَادَ بِالْبَسْطِ لَازِمَهُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ مَجَازًا. وَقَوْلُهُ: أَيْ حُكْمُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَدُهُ، وَأَرَادَ بِالْحُكْمِ تَصَرُّفَهُ وَتَفْسِيرُ الْيَدِ بِالْحُكْمِ مِنْ بَابِ التَّوْرِيَةِ وَهِيَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى قَرِيبٌ وَمَعْنًى بَعِيدٌ، وَيُرَادُ الْبَعِيدُ مَجَازًا كَمَا هُنَا، وَعَلَاقَتُهُ الْمَحَلِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ. [قَوْلُهُ: إلَى ذَلِكَ] أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَوْلًا وَفِعْلًا. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] ؛ لِأَنَّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ لِذَلِكَ هُوَ عَيْنُ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِتَكْرَارٍ وَإِنَّ هَذَا شَخْصٌ آخَرُ وَهُوَ الْأَبُ عَلَى أَبْنَائِهِ وَالسَّيِّدُ عَلَى عَبِيدِهِ وَالزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. . . إلَخْ] قَدَّرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُنْ دَفْعًا لِمَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَحَاصِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِيَدِهِ] الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَنَهْيِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَأْمُورُ، أَوْ الْمَنْهِيُّ بِذَلِكَ، فَإِنْ امْتَثَلَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ شَهَرَ لَهُ السِّلَاحَ إنْ وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ مَرْتَبَةٍ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا، وَصُورَةُ تَغْيِيرِ الْقَلْبِ إذَا رَأَى مُنْكَرًا يَقُولُ فِي نَفْسِهِ لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ لَغَيَّرْته، وَإِذَا رَأَى مَعْرُوفًا ضَاعَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَأَمَرْت، وَيُحِبُّ الْفَاعِلَ لِلْمَعْرُوفِ وَيَكْرَهُ الْفَاعِلَ لِلْمُنْكَرِ بِقَلْبِهِ وَيُظْهِرُ ذَلِكَ بِجَوَارِحِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ.

قَالَ عج: وَفِي كَلَامِ تت وَالشَّاذِلِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِالْقَلْبِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَصُورَةُ تَغْيِيرِهِ. . . إلَخْ.

تَنْبِيهٌ:

قِيلَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ مُتَلَازِمَانِ.

[قَوْلُهُ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ] أَيْ فَرْضُ عَيْنٍ [قَوْلُهُ: يَعْنِي جِنْسَ الْمُؤْمِنَ] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ دَفْعًا لِمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ قُصُورِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الذَّكَرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَةَ. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفَ] أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: مِنْ الْبِرِّ] أَيْ كَائِنٌ ذَلِكَ الْقَوْلُ، أَوْ الْعَمَلُ مِنْ الْبِرِّ، وَأَرَادَ بِالْعَمَلِ عَمَلَ الْجَوَارِحِ مَا عَدَا اللِّسَانَ وَمَا عَدَا الْقَلْبَ، أَمَّا عَمَلُ اللِّسَانِ فَهُوَ الْقَوْلُ، وَأَمَّا عَمَلُ الْقَلْبِ فَهُوَ خَفِيٌّ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَقْصِدَ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ.

[قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ] بَيَانٌ لِلْبِرِّ أَيْ أَنَّ الْبِرَّ شَيْءٌ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبِرَّ هُوَ الطَّاعَةُ كَانَتْ وَاجِبَةً، أَوْ مَنْدُوبَةً [قَوْلُهُ: وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ] أَيْ ذَاتَ اللَّهِ الْكَرِيمِ أَيْ لَا النَّاسَ الَّذِينَ قَصَدَهُمْ بِقَوْلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ فَدَخَلَ فِي وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ مَرْتَبَتَانِ الْكَامِلَةُ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَالنَّاقِصَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا بِأَنْ يَقْصِدَ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالْبُعْدَ عَنْ دُخُولِ النَّارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>