للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَلُهُ) وَلَا قَوْلُهُ: (وَالرِّيَاءُ) وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ» الْحَدِيثَ.

(وَالتَّوْبَةُ) لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ شَرْعًا إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ شَرْعًا (فَرِيضَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ) ظَاهِرُهُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَغَفَرَ الصَّغَائِرَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَهَا شُرُوطُ كَمَالٍ تَأْتِي وَشُرُوطُ صِحَّةٍ وَهِيَ النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ) زَائِدٍ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَفْعِ الْإِصْرَارِ (وَالْإِصْرَارُ الْمُقَامُ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ (عَلَى الذَّنْبِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ] أَيْ لَا ثَوَابَ لَهُ أَيْ فَالْمَنْفِيُّ هُوَ الْقَبُولُ بِمَعْنَى الثَّوَابِ أَيْ وَالْعِبَادَةُ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الطَّلَبُ كَمَا أَفَادَهُ عِيَاضٌ وَالْأَبِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَا قَوْلُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ بِعَمَلِهِ] أَيْ مِمَّا كَانَ قُرْبَةً.

وَقَوْلُهُ: غَيْرَ اللَّهِ بِأَنْ أَرَادَ النَّاسَ فَلَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْقُرْبَةِ كَالتَّجَمُّلِ بِاللِّبَاسِ. [قَوْلُهُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] هُوَ الرِّيَاءُ الْخَالِصُ وَهُوَ إيقَاعُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ النَّاسِ فَقَطْ، وَرِيَاءُ الشِّرْكِ وَهُوَ الْعَمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالنَّاسِ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ لَهُمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ. [قَوْلُهُ: إنَّ أَخْوَفَ] أَيْ إنَّ أَخْوَفَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَيْكُمْ أَيْ أَشَدَّ إخَافَةً.

[قَوْلُهُ: لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ أَفْعَالٍ. . . إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا لُغَةً فَهُوَ مُطْلَقُ الرُّجُوعِ أَفَادَهُ تت. وَالتَّحْقِيقُ وَقَوْلُهُ: أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ وَبِدْعَةٍ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ: وَالتَّوْبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْبَةٌ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى الطَّاعَةِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ الْبِدْعَةِ إلَى السُّنَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا أَقْسَامٌ التَّوْبَةُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي عَرَّفَهَا الشَّارِحُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَالشُّبُهَاتِ وَهِيَ تَوْبَةُ الزُّهَّادِ، وَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ الْغَفْلَةِ إلَى الْيَقِظَةِ وَهِيَ تَوْبَةُ الْمُحِبِّينَ [قَوْلُهُ: إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَزْنِي مَثَلًا، ثُمَّ أَنَّهُ تَرَكَ الزِّنَا عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ نَادِمًا عَلَى مَا فَعَلَهُ فَهَذِهِ تَوْبَةُ رُجُوعٍ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا إلَى فِعْلٍ مَمْدُوحٍ شَرْعًا الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ وَقَوْلُ أَفْعَالٍ أَرَادَ الْجِنْسَ، أَوْ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأَفْرَادِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ أَفْعَالٌ قَلْبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ اللَّازِمُ.

وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْجَوَارِحِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي كُلِّ تَوْبَةٍ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَهُ شَارِحُ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ وُجُوبُ التَّوْبَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ.

وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ضَعِيفٌ. وَخُلَاصَةُ الْحَالِ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْخِلَافِ، وَالصَّغِيرَةَ تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ قَالَهُ عج إلَّا أَنَّ الذَّنْبَ إنْ كَانَ مَعْلُومًا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ تَفْصِيلًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ إجْمَالًا، وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ إسْلَامُهُ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إلَّا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ يُغَرْغِرَ، وَتَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَقِيلَ ظَنًّا وَتُقْبَلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا لِصِبَاهُ، أَوْ جُنُونِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ إسْلَامُهُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ عج. [قَوْلُهُ: وَهِيَ النَّدَمُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدُهَا أَرْكَانًا لَهَا لَا تَتَحَقَّقُ مَاهِيَّتُهَا، إلَّا بِهَا فَجَعْلُهَا شُرُوطًا تَسَامُحٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ] أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالذَّنْبِ يُقْلِعُ عَنْهُ وَيَتْرُكُهُ حَالًا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَخْصٍ تَابَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فِي حَالِ تَعَاطِيهِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْفِعْلِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ] أَيْ فِي الزَّمَنِ الْحَالِ. [قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَفْعِ الْإِصْرَارِ] أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِقْلَاعَ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ وَالنِّيَّةَ أَنْ لَا يَعُودَ اللَّذَيْنِ مِنْ أَرْكَانِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَاهِيَّتُه إلَّا بِهِمَا، أَيْ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَالتَّوْبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>