وَاعْتِقَادِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَمِنْ التَّوْبَةِ رَدُّ الْمَظَالِمِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَوَاجِبَانِ فِي التَّوْبَةِ وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ فِي صِحَّتِهَا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَحَدُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَشُرُوطُ الْكَمَالِ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلْيَسْتَغْفِرْ رَبَّهُ وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ وَيَتَذَكَّرُ نِعْمَتَهُ لَدَيْهِ) أَيْ عَلَيْهِ (وَيَشْكُرُ فَضْلَهُ عَلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ) أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَنَدِمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ» . الْحَلِيمِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ النَّدَمِ لِتَتِمَّ التَّوْبَةُ، وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَهُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ.
وَأَمَّا الْخَوْفُ فَهُوَ تَأَلُّمُ الْقَلْبِ
ــ
[حاشية العدوي]
فَرِيضَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهَا خَالِيَةً عَنْ إصْرَارٍ فَيُفِيدُ أَنَّ لَهَا وُجُودًا وَتَحَقُّقًا بِدُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمِيمِ] وَأَمَّا بِفَتْحِ الْمِيمِ فَهُوَ مَحَلُّ الْإِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ: وَاعْتِقَادُ. . . إلَخْ قَالَ تت: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا فَهُمَا شَيْئَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى، أَوْ فَيَكُونُ الْإِصْرَارُ حَاصِلًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ زَائِدٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَوْرًا وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرِيضَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهَا غَيْرَ مُجَامِعَةٍ لِإِصْرَارٍ احْتِرَازًا مِنْ تَوْبَةٍ مُجَامِعَةٍ لِإِصْرَارٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ نِيَّتِهَا التَّوْبَةُ يُقْصَدُ حُصُولُهَا فِي الْغَدِ بِأَرْكَانِهَا الثَّلَاثَةِ مَعَ الْإِقَامَةِ عَلَى الذَّنْبِ قَبْلَ الْغَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى التَّرَاخِي. [قَوْلُهُ: رَدُّ الْمَظَالِمِ] إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ أَمْوَالًا، وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَا عِنْدَهُ، أَوْ يَرُدَّهَا لِوَارِثِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَلَا وَجَدَ وَارِثَهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَظْلُومِ، وَإِذَا كَانَتْ أَعْرَاضًا كَقَذْفٍ، أَوْ غِيبَةٍ اسْتَحَلَّ الْمَقْذُوفَ، أَوْ الْمُغْتَابَ إنْ وَجَدَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ مَاتَ فَيُكْثِرَ مِنْ الْحَسَنَاتِ لِيُعْطِيَ مِنْهَا الْمَظْلُومَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ مَنْ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ فَاغْفِرْ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلَانِ] شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا شَرَطَ صِحَّةً إلَّا الْأَخِيرُ هَذَا مُرَادُهُ. [قَوْلُهُ: فَوَاجِبَانِ فِي التَّوْبَةِ] أَيْ وَاجِبَانِ فِي حَالِ التَّوْبَةِ أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ التَّوْبَةِ أَنْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ فِي صِحَّتِهَا] مُسَلَّمٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُسَلَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْإِقْلَاعَ فِي الْحَالِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحَارِمِ أَيْ مَا عَدَا الْمَتُوبَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصِحُّ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ، وَلَكِنْ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَغْفِرْ] أَيْ نَدْبًا أَيْ يَطْلُبُ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يَسْتُرَ مَا سَلَفَ مِنْهُ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ مَا يَحِلُّ عَقْدُ الْإِصْرَارِ وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجِنَانِ بِأَنْ يُوَافِقَ مَا فِي قَلْبِهِ لِسَانَهُ لَا مُجَرَّدُ التَّشَدُّقِ بِاللِّسَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحْوِجٌ لِلِاسْتِغْفَارِ وَصَغِيرَةٌ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ [قَوْلُهُ: وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ] أَيْ نَدْبًا بِأَنْ يَطْمَعَ فِي حُصُولِهَا مَعَ أَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ الْحُصُولِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَخَافُ عَذَابَهُ] أَيْ وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخَافَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُقْطَعُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا.
[قَوْلُهُ: وَيَتَذَكَّرُ نِعْمَتَهُ] أَيْ وَهِيَ تَوْفِيقُهُ لِلتَّوْبَةِ وَإِقْدَارُهُ عَلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النِّعْمَةِ يَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، أَيْ وَلْيَتَذَكَّرْ إنْعَامَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَضْلَهُ عَلَيْهِ] أَيْ إحْسَانَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَتَرْكُ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ أَيْ فَالشُّكْرُ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ، أَوْ قَوْلُهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ فَمَكْرُوهُ الْفِعْلِ الصَّلَوَاتُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَمَكْرُوهُ الْقَوْلِ كَالتَّكَلُّمِ بِمَا لَا يَعْنِي وَالْمُحَرَّمُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ ظَاهِرَانِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ] أَيْ أَمَّا كَوْنُ الِاسْتِغْفَارِ شَرْطَ كَمَالٍ. . . إلَخْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةٍ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُطْلَبُ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ نَعَمْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَطْلُوبٌ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّجَاءُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سُنَنِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ ذَكَرَهُ مِنْ حَيْثُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَمِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرَّجَاءَ إذَا كَانَ هَذَا تَعْرِيفَهُ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ تَجْرِيدٌ. [قَوْلُهُ: فِي رَحْمَةِ اللَّهِ] أَيْ فِي إنْعَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute