بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَأَمَّا التَّذَكُّرُ فَهُوَ التَّفْكِيرُ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ حَيْثُ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ.
وَأَمَّا الشُّكْرُ فَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِذِكْرِ إحْسَانِهِ وَيَكُونُ بِالْقَلْبِ خُضُوعًا وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَبِالْجَوَارِحِ طَاعَةً وَانْقِيَادًا (وَيَتَقَرَّبُ) التَّائِبُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ) فِعْلُهُ وَإِنْ قَلَّ (مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ) كَالصَّلَاةِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ: «وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثُ. (وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ) التَّائِبُ (مِنْ فَرَائِضِهِ) الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (فَلْيَفْعَلْهُ الْآنَ) وُجُوبًا عَلَى الْفَوْرِ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ قَضَى مَا اسْتَطَاعَ مَعَ
ــ
[حاشية العدوي]
اللَّهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ] أَيْ هَذَا الطَّمَعُ أَيْ لَا يَحْسُنُ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ] أَيْ وَالطَّاعَةُ الْحَسَنَةُ وَالْوَصْفُ كَاشِفٌ أَيْ وَأَمَّا الطَّمَعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ طَاعَةٍ فَلَيْسَ بِحَسَنٍ بَلْ مَذْمُومٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الرَّجَاءَ هُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعَ طَاعَةٍ أَمْ لَا وَلَكِنَّ هَذَا الطَّمَعَ، أَوْ الرَّجَاءَ لَا يَحْسُنُ إلَّا مَعَ الطَّاعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الرَّجَاءُ هُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ بِقَيْدِ أَنْ يَكُونَ آخِذًا فِي الْأَسْبَابِ أَيْ بِقَيْدِ الطَّاعَةِ قَالَ تت: وَلَا يَكُونُ الرَّجَاءُ إلَّا مَعَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمَنٍّ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَوْفُ. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّجْرِيدِ [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ] أَيْ وَمِنْ مَا صَدَقَاتِ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ عَذَابُ الرَّبِّ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ التَّفَكُّرُ. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّجْرِيدِ [قَوْلُهُ: حَيْثُ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ] أَيْ؛ لِيَكُونَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الشُّكْرِ، وَالْوَاضِحُ أَنْ يَقُولَ: التَّفَكُّرُ فِي نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَهِيَ التَّوْفِيقُ لِلتَّوْبَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ نِعْمَتَهُ غَيْرُ التَّوْفِيقِ لِلتَّوْبَةِ، أَوْ عَيْنُ التَّوْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّعْمَةِ الْإِنْعَامُ، أَوْ الْمُنْعَمُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشُّكْرُ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: بِذِكْرِ إحْسَانِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِالثَّنَاءِ أَيْ الثَّنَاءِ بِذِكْرِ إحْسَانِهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذِكْرِ وَتُجْعَلُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بَيَانًا لِمُتَعَلِّقِ الشُّكْرِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ حَتَّى يَكُونَ قَاصِرًا عَلَى الْفِعْلِ اللِّسَانِيِّ مَعَ أَنَّ مَوْرِدَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ عَامٌّ فِي فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ خَاصٌّ وَهُوَ الْإِنْعَامُ وَمَوْرِدُهُ عَامٌّ.
وَأَمَّا الشُّكْرُ الِاصْطِلَاحِيُّ فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: وَيَكُونُ. . . إلَخْ رَاجِعًا لِلثَّنَاءِ أَيْ أَنَّ الثَّنَاءَ فِي حَالِ كَوْنِهِ بِالْقَلْبِ يُسَمَّى خُضُوعًا كَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَرِيمٌ مَثَلًا اعْتِقَادًا جَازِمًا، أَوْ رَاجِحًا، وَلَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا بِاللِّسَانِ يُقَالُ لَهُ: ثَنَاءٌ وَاعْتِرَافٌ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَتِهِ تَنَافِيًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهَا يَقْضِي أَنَّ الثَّنَاءَ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ اعْتِقَادًا بِالْجِنَانِ، أَوْ قَوْلًا بِاللِّسَانِ أَوْ فِعْلًا بِالْجَوَارِحِ، وَلَيْسَ قَاصِرًا عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى اللِّسَانِ وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّحْقِيقُ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ لَا يُسَمَّى طَاعَةً كَمَا أَنَّ مَا قَامَ بِالْجَوَارِحِ لَا يُسَمَّى خُضُوعًا وَمَا قَامَ بِاللِّسَانِ لَا يُسَمَّى خُضُوعًا وَلَا طَاعَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ مَا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ طَاعَةً بَلْ مِنْ أَفْرَادِ الطَّاعَةِ قَطْعًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الصِّحَاحِ إطْلَاقُ الْخُضُوعِ عَلَى مَا بِالْجَوَارِحِ، وَعَطْفُ الِاعْتِرَافِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَعَطْفُ الِانْقِيَادِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ] أَيْ بِشَيْءٍ تَيَسَّرَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: فِعْلُهُ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ فِعْلٌ هُوَ مَا بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالتَّيَسُّرِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ، فَإِذَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَ مَا عَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ الْمُضَافُ لِضَمِيرِهَا عَلَى الْمَصْدَرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ الْمُتَيَسِّرِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ هُوَ نَفْسُ الْمُتَيَسِّرِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ] إضَافَةُ النَّوَافِلِ إلَى الْخَيْرِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْئِيِّ إلَى كُلِّيِّهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوَافِلَ وَفَرَائِضَ. [قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ [قَوْلُهُ: عَنْ اللَّهِ] أَيْ نَاقِلًا عَنْ اللَّهِ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ. . . إلَخْ] تَمَامُ الْحَدِيثِ: «فَإِنْ أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَإِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ التَّائِبُ] أَيْ قَبْلَ تَوْبَتِهِ [قَوْلُهُ: الَّتِي أَوْجَبَهَا] أَيْ فَضَمِيرُ فَرَائِضِهِ عَلَى التَّائِبِ. وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِضَافَتُهَا لَهُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ اللَّهِ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ] مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ الْآنَ أَيْ فَيَفْعَلُهُ، وَلَوْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكَهَا وَإِلَّا تَوَقَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute