شُغْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُرْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ مَثَلًا تَحَرَّى وَاحْتَاطَ لِدِينِهِ بِلَا وَسْوَسَةٍ (وَ) إذَا فَعَلَ التَّائِبُ مَا ضَيَّعَهُ مِنْ الْفَرَائِضِ (فَلْيَرْغَبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَقَبُّلِهِ) مِنْهُ وَيَخَافُ (وَيَتُوبُ إلَيْهِ) مِمَّا صَدَرَ مِنْهُ (مِنْ تَضْيِيعِهِ) لِلْفَرَائِضِ (وَلْيَلْجَأْ) أَيْ يَتَضَرَّعُ (إلَى اللَّهِ) تَعَالَى (فِيمَا عَسُرَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ) إلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُيَسِّرُ وَالْمُسَهِّلُ بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْهِيلُ، وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ مَلِّكْنَا أَنْفُسَنَا وَلَا تُسَلِّطُهَا عَلَيْنَا (وَ) يَتَضَرَّعُ إلَيْهِ فِيهِ (مُحَاوَلَةِ أَمْرِهِ) أَيْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ رُشْدُهُ وَلَا غَيُّهُ. لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِ (مُوقِنًا) أَيْ مُصَدِّقًا (أَنَّهُ الْمَالِكُ لِصَلَاحِ شَأْنِهِ) أَيْ حَالِهِ (وَ) الْمَالِكُ (لِتَوْفِيقِهِ وَتَسْدِيدِهِ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ (لَا يُفَارِقُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ (عَلَى مَا فِيهِ) أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ هُوَ فِيهَا (مِنْ حَسَنٍ) وَهُوَ الطَّاعَةُ (أَوْ قَبِيحٍ) وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ، وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: ٢٢٢] " وَالتَّوَّابُ هُوَ الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ (وَلَا يَيْأَسُ) أَيْ لَا يَقْنَطُ الْعَبْدُ (مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ السُّوءِ
ــ
[حاشية العدوي]
أَوْقَاتَ النَّهْيِ. [قَوْلُهُ: مَعَ شُغْلِهِ] أَيْ فَلَا يُوَسَّعُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ إلَّا زَمَنَ اشْتِغَالِهِ فِي نَوْمِهِ، أَوْ ضَرُورِيَّاتِهِ، أَوْ حُضُورِ عِلْمٍ مُتَعَيِّنٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّوَافِلُ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَرْضِ سِوَى الْمُؤَكَّدِ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أُدْخِلَ تَحْتَ مَثَلًا الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ. [قَوْلُهُ: وَيَتُوبُ إلَيْهِ. . . إلَخْ] أَيْ لِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَرَائِضِ عَنْ أَوْقَاتِهَا مِنْ الْكَبَائِرِ [قَوْلُهُ: لِلْفَرَائِضِ] أَيْ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ، وَيُحْتَمَلُ إضَافَتُهُ لِلْمَفْعُولِ فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي التَّائِبِ قُلْت: يُحْمَلُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى إنْسَانٍ ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ فَتَسَبَّبَ عَنْهَا تَرْكُ الْفَرَائِضِ فَتَابَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَاصِي، فَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ هَذَا التَّائِبَ مِنْ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةِ يَفْعَلُ مَا ضَيَّعَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَيَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ التَّضْيِيعِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ] الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَادَ الرَّجُلُ الْفَرَسَ قَوْدًا مِنْ بَابِ قَالَ وَقِيَادًا وَقِيَادَةً انْتَهَى. أَيْ كُلُّ مَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يَقُودُ نَفْسَهُ لِلطَّاعَةِ أَيْ يُمِيلُهَا إلَيْهَا فَيَلْجَأُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُذَلِّلَهَا وَيَجْعَلَ الطَّاعَةَ سَهْلَةً عَلَيْهَا فَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ النَّفْسَ مِنْ حَيْثُ الْإِبَايَةِ بِفَرَسٍ أَبِيَّةٍ عَنْ مَقْصُودِ رَاكِبِهَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ [قَوْلُهُ: وَالْمُسَهِّلُ] مُرَادِفٌ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْهِيلُ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَانَ نُكْتَةُ الْعُدُولِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ التَّيْسِيرَ هُوَ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالتَّسْهِيلُ فَقَدْ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ نُكْتَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِيمَا يُشْكِلُ] حَاصِلُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُحَاوَلَةَ مَصْدَرُ حَاوَلَهُ أَيْ رَامَهُ وَطَلَبَهُ إلَّا أَنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي أَمْرِهِ الْمُحَاوَلِ أَيْ الْمَطْلُوبِ الْوُقُوفُ عَلَى صِفَتِهِ هَلْ هِيَ الرُّشْدُ، أَوْ الْغَيُّ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَيَكُونَ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ تَفْسِيرًا بِاللَّازِمِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ. [قَوْلُهُ: مُوقِنًا. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالتَّضَرُّعُ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ كَلَا شَيْءَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَالِكُ. . . إلَخْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: لِتَوْفِيقِهِ. . . إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَوْ الْعَكْسُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ] أَيْ أَنَّ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الطَّاعَةِ هَذَا مَعْنَاهُ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ وَصْفُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِوَصْفِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِقَامَةُ، وَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ سَبَبِ الِاسْتِقَامَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذُكِرَ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ مُتَعَدِّدٌ فَكَيْفَ يُشَارُ لَهُ بِإِشَارَةِ الْمُفْرَدِ.
[قَوْلُهُ: هُوَ فِيهَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَائِدَ عَلَى مَا ضَمِيرٌ فِيهِ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى حَالَةٍ وَصَدْرُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَمَّا كَانَ يَسْتَقِلُّ بِالْوَصْلِ لَمْ يَبْقَ عَلَى إرَادَةِ الْمَحْذُوفِ دَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ] أَيْ الْمُتَجَدِّدُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّائِبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ. وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ فَيَتُوبَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: ٢٢٢]] صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ تَقْتَضِي مَحَبَّةَ الرَّجَاءِ الْعَائِدِ لِلتَّوْبَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَقْنَطُ] قَنِطَ يَقْنَطُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَتَعِبَ فَهُوَ قَانِطٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute