عَلَيْهِ (وَ) أَمَّا صَبْغُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ فَ (لَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ) بِالْمَدِّ (وَبِالْكَتْمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَرَقُ السَّلَمِ وَهُوَ يُصَفِّرُ الشَّعْرَ وَالْحِنَّاءُ تُحَمِّرُهُ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلنَّدَبِ وَالْإِبَاحَةِ وَهِيَ أَقْرَبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّوَادَ صَرْفُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ مَالِكًا مِنْهُمْ وَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِمُخَالَفَةِ مَنْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ نَقْضًا لِإِجْمَاعِهِمْ فَتَدَبَّرْ.
تَتِمَّةٌ:
نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ حَلْقِ مَا تَحْتَ الْحَنَكِ حَتَّى قَالَ: إنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ حَلْقَهُ مِنْ الزِّينَةِ فَتَكُونُ إزَالَتُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ وَيُجْمَعُ بِحَمْلِ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى بَقَائِهِ تَضَرُّرُ الشَّخْصِ وَلَا تَشْوِيهُ خِلْقَتِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى بَقَائِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ جَوَازَ إزَالَةِ شَعْرِ الْخَدِّ وَنُدِبَ قَصُّ شَعْرِ الْأَنْفِ لَا نَتْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ وَنَتْفُهُ يُورِثُ الْأَكْلَةَ، وَيَحْرُمُ إزَالَةُ شَعْرِ الْعَنْفَقَةِ كَمَا يَحْرُمُ إزَالَةُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَإِزَالَةُ الشَّيْبِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا يُكْرَهُ تَخْفِيفُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ بِالْمُوسَى تَحْسِينًا وَتَزْيِينًا. .
[قَوْلُهُ: مِنْ الشُّقْرَةِ] أَيْ وَمَا فِي مَعْنَى الشُّقْرَةِ الْأَبْيَضِ مِنْ ذِي الشُّقْرَةِ أَوْ وَمَا فِي مَعْنَى الْبَيَاضِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَبْيَضَ مِنْ نَفْسِ الشُّقْرَةِ وَالشُّقْرَةُ مِنْ الْأَلْوَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ حُمْرَةٌ تَعْلُو بَيَاضًا فِي الْإِنْسَانِ وَحُمْرَةٌ صَافِيَةٌ فِي الْخَيْلِ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ] لَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا التَّنْزِيهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ هُنَا، وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ دَفَعَ هَذَا الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ تت إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهَا مَتَى أُطْلِقَتْ لَا تَنْصَرِفُ إلَّا لِلتَّنْزِيهِ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ] أَيْ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَوَّدَ لِحْيَتَهُ لِلَوْنِهَا الْأَبْيَضِ، وَكَذَا مُرِيدُ نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَيَصْبُغُ شَعْرَ لِحْيَتِهِ الْأَبْيَضَ، وَالْحَاصِلُ كَمَا يُفِيدُهُ زَرُّوقٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلتَّغْرِيرِ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ لِلْجِهَادِ نُدِبَ وَإِنْ كَانَ لِلتَّشَابُبِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَقَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ] أَيْ لِيُوقِعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ أَيْ بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِدَ الْمُقَابِلَ لَهُ شَابٌّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ.
[قَوْلُهُ: فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ] أَيْ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا لِكَوْنِهِ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَكُنْ لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ فَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَيْ وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إلَّا لِمُقْتَضٍ لِلتَّحْرِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَ الْجِهَادِ مِنْ كُلِّ قِتَالٍ جَائِزٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَوْ أَرَادَ بِالْجِهَادِ مَا يَشْمَلُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَبْغُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ] أَيْ صَبْغُ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ بِغَيْرِ السَّوَادِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرُ السَّوَادِ يَصْدُقُ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْخُضْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَائِزُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَا كَانَ بِالْحِنَّاءِ وَبِالْكَتَمِ مِمَّا يُصَفِّرُ أَوْ يُحَمِّرُ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ. . . إلَخْ هَذَا مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَتُهُ، وَكَلَامُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَقْضِي بِحَصْرِ الْكَرَاهَةِ فِي السَّوَادِ مَعَ تَفْصِيلٍ يَتَعَيَّنُ حِفْظُهُ وَنَصُّهُ.
وَأَمَّا الْخِضَابُ فَلِلتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ مُسْتَحَبٌّ وَلِلتَّصَابِي مَكْرُوهٌ وَلِلْعَادَةِ مُبَاحٌ وَلِلتَّغْرِيرِ فِي نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءِ أَمَةٍ أَوْ نَحْوِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ السَّوَادُ لِأَنَّهُ تَشَابُبٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ لَا لِإِيهَامِ النَّاسِ أَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَّا كُرِهَ. وَلِذَا نَقَلَ الْمِعْيَارُ عَنْ النَّوَوِيِّ مُرْتَضِيًا لَهُ مَا يُفِيدُ أَنَّ تَبْيِيضَهَا بِكِبْرِيتٍ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ وَالتَّعْظِيمِ.
وَأَمَّا لَا لِذَلِكَ بَلْ لِإِظْهَارِ الضَّعْفِ مَثَلًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَالْحَاصِلُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ زَرُّوقٍ وَالتَّحْقِيقُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ قَاصِرَةٌ عَلَى السَّوَادِ إلَّا لِغَرَضِ الْجِهَادِ فَلَا يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ مَفْهُومًا فَتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: بِالْحِنَّاءِ. . . إلَخْ] قَالَ تت: وَجَوَازُهُ لِلرِّجَالِ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ دُونَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ اهـ. بَلْ قَالَ الْحَطَّابُ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ تَرْكُ الْحِنَّاءِ قَالَ عج: وَحَدُّهُ لِلسِّوَارَيْنِ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا اهـ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا حَنَّتْ عَلَى آدَمَ حِينَ سَقَطَتْ عَنْهُ ثِيَابُ الْجَنَّةِ. وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ فَكَانَ كُلَّمَا أَتَى إلَى شَجَرَةٍ لِيَسْتَتِرَ بِهَا هَرَبَتْ مِنْهُ إلَّا الْحِنَّاءَ وَالْكَتَمَ اهـ.
[قَوْلُهُ: وَرَقُ السَّلَمِ] السَّلَمُ شَجَرٌ الْوَاحِدَةُ سَلَمَةٌ مِثْلُ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ
[قَوْلُهُ: وَهُوَ يُصَفِّرُ الشَّعْرَ وَالْحِنَّاءُ تُحَمِّرُهُ] اُنْظُرْ هَلْ يُعْطَى حُكْمَهُمَا كُلُّ شَيْءٍ