لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ مَعَ ذَهَابِ الْأَوَّلِ وَالتَّحْمِيرُ وَنَحْوُهُ تَغْيِيرٌ لَا صَبْغٌ لِبَقَاءِ صِفَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْتَبِسُ الشَّيْبُ عَلَى أَحَدٍ بِاحْمِرَارِهِ وَيَلْتَبِسُ بِاسْوِدَادِهِ.
(وَنَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ الذَّكَرَ (عَنْ لِبَاسِ) أَيْ لُبْسِ (الْحَرِيرِ وَ) عَنْ (تَخَتُّمِ الذَّهَبِ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ: الذَّكَرَ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِبَاسٌ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ وَالِاتِّكَاءَ عَلَيْهِ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْسِ لَمَّا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» (وَ) نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) فِي الْقَبَسِ، «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمُ شَبَهٍ يَعْنِي مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
يُصَفِّرُ أَوْ يُحَمِّرُ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَيَانِ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالصُّفْرَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. . . إلَخْ. أَوْ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَحْسَنُ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ» .
[قَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْرَبُ] أَقُولُ: لَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْفَاكِهَانِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْرَبُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ نَاجِي، وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْإِبَاحَةِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي الْبَيَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجَوَازُ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. أَقُولُ: وَيَشْهَدُ لِلْقَوْلِ بِالنَّدْبِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْخُلَفَاءَ كُلَّهُمْ صَبَغُوا إلَّا عَلِيًّا وَقِيلَ: حَتَّى عَلِيًّا لِأَنَّهُ رُئِيَ وَلِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ مَرَّةً فَهُوَ مِمَّا يُغَيِّرُ فِي قَوْلِ ابْنِ نَاجِي الْأَقْرَبُ الْإِبَاحَةُ [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ. . . إلَخْ] عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الصَّبْغُ بِالسَّوَادِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ. . . إلَخْ فَهَذَا يُفِيدُ حَصْرَ الْكَرَاهَةِ فِي السَّوَادِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَلَوْ الْخُضْرَةَ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بَأْسَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ غَيْرَ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
[قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ السَّوَادِ شَامِلٌ لِكُلِّ الْأَلْوَانِ وَلَوْ الْخُضْرَةَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْخُضْرَةِ سَوَادٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَوَادُ الْعِرَاقِ
[قَوْلُهُ: صَرْفُ لَوْنٍ] أَيْ ذُو صَرْفِ لَوْنٍ لِأَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ نَفْسَ الصَّرْفِ [قَوْلُهُ: بِاحْمِرَارِهِ] أَيْ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَيَلْتَبِسُ بِاسْوِدَادِهِ] الْمُوهِمِ كَوْنَهُ شَابًّا خُلَاصَتُهُ أَنَّ كَرَاهَةَ تَغْيِيرِهِ الشَّعْرَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إيهَامِ التَّشَابُبِ أَيْ مَنْ رَآهُ يَقَعُ فِي وَهْمِهِ أَنَّهُ شَابٌّ، فَإِنْ قُلْت: كَمَا يَقَعُ فِي وَهْمِ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ شَابٌّ كَذَلِكَ يَقَعُ فِيمَنْ يُغَيِّرُ بِمَا يُبَيِّضُ أَنَّهُ شَيْخٌ، فَلِمَ كُرِهَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي بِالْقَيْدِ الْمُتَقَدِّمِ؟ قُلْت: تَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَى إيهَامِ الشُّبُوبِيَّةِ يَكْثُرُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
[قَوْلُهُ: أَيْ لُبْسِ] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاللِّبَاسِ مَا يُلْبَسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمِصْبَاحُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ. [قَوْلُهُ: الذَّكَرَ] مَفْهُومُهُ الْجَوَازُ لِلْإِنَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ نَعْلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا كَسَرِيرٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ الصَّغِيرُ لُبْسُهُ لِلْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَالْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيِّهِ وَأَمَّا لُبْسُهُ الْفِضَّةَ فَجَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: كَانَ لِعُذْرٍ] أَيْ كَحَكَّةٍ أَوْ جِهَادٍ. . . إلَخْ. بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرِيرِ وَهَذَا الظَّاهِرُ هُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْسِ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَوْ فَرَشَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، أَيْ وَلَوْ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي إجَازَتِهِ تَبَعًا لَهَا وَكَانَتْ مُصَاحِبَةً لَهُ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْخِيَاطَةُ بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ رَايَةً فِي الْحَرْبِ، وَكَذَا يَحْرُمُ مَا بُطِّنَ بِحَرِيرٍ أَوْ حُشِيَ بِهِ مِثْلُ الصُّوفِ أَوْ رُقِّمَ بِهِ إذَا كَانَ الْحَرِيرُ فِيهِ كَثِيرًا، وَيَحْرُمُ السِّجَافُ حَيْثُ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِي قَدْرِ عَرْضِ الْأُصْبُعِ أَوْ الْأَرْبَعِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْحَرِيرِ وَجَعْلُهُ سِتَارَةً مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: وَالدِّيبَاجِ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: مَا غَلُظَ مِنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَعَطَفَهُ عَلَى الْحَرِيرِ لِيُفِيدَ النَّهْيَ عَنْهُ لِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ صَارَ جِنْسًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ.
[قَوْلُهُ: وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْحُرْمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: فِي اللُّبْسِ] كِتَابٌ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ شَرَحَ بِهِ الْمُوَطَّأَ يُقَالُ لَهُ كِتَابُ الْقَبَسِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ، وَالْقَبَسُ بِفَتْحَتَيْنِ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يَقْتَبِسُهَا الشَّخْصُ، فَكَأَنَّهُ سَمَّى كِتَابَهُ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى شِدَّةِ تَعَلُّقِ هَذَا الشَّرْحِ بِهَذَا الْكِتَابِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ كَتَمَكُّنِ شُعْلَةِ النَّارِ مِمَّنْ