للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ. وَجَاءَ إلَيْهِ آخَرُ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ. وَجَاءَ إلَيْهِ آخَرُ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ: اطْرَحْ عَنْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ج: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَدُلُّ لِظَاهِرِهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» أَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ (وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي حِلْيَةِ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ.

ــ

[حاشية العدوي]

تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِلَى كَوْنِهِ صَارَ وَاضِحًا بِهِ كَمَا يَتَّضِحُ مَنْ يَكُونُ بِظَلَامٍ بِشُعْلَةِ النَّارِ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ، وَأَتَى بِذَلِكَ دَلِيلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَهَى. . . إلَخْ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ دَلِيلٌ ضِمْنِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ وَلَمْ يَأْتِ بِحَدِيثٍ صَرِيحٍ فِي النَّهْيِ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ صَرِيحٍ فِي النَّهْيِ مَعْزُوٍّ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَنِينَ بِتَخْرِيجِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إلَى آخِرِ مَا قَالَ. وَقَوْلُهُ: جَاءَ رَجُلٌ لَمْ يُعَيِّنْ اسْمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ [قَوْلُهُ: يَعْنِي مِنْ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ] تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ شَبَهٍ بِفَتْحَتَيْنِ مَعْنَاهُ يُشْبِهُ الذَّهَبَ فِي لَوْنِهِ وَهُوَ نُحَاسٌ أَحْمَرُ يُضَافُ إلَيْهِ أَشْيَاءُ وَيُسْبَكُ مَعَهَا فَيُكْسَبُ لَوْنَ الذَّهَبِ. [قَوْلُهُ: إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ] الْأَصْنَامُ جَمْعُ صَنَمٍ.

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الصَّنَمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْجَمْعُ أَصْنَامٌ اهـ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَشُمُّ مِنْك رِيحَ الصَّنَمِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ ذَلِكَ الْخَاتَمَ مِنْ جِنْسِ مَا قَدْ يُتَّخَذُ مِنْهُ الصَّنَمُ فَاجْتَنِبْهُ لِأَنَّ الْمُتَحَلِّيَ بِهِ كَالشَّبِيهِ بِعَابِدِ الصَّنَمِ [قَوْلُهُ: حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ] أَيْ مَا يَتَحَلَّى بِهِ أَيْ يَتَزَيَّنُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ وَهُمْ الْكُفَّارُ فَإِنَّ سَلَاسِلَهُمْ وَأَغْلَالَهُمْ فِي النَّارِ مِنْ الْحَدِيدِ كَذَا ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ شَارِحُ الْحَدِيثِ. أَقُولُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَتَخَتَّمُونَ بِخَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ تَحْقِيرًا لَهُمْ كَمَا أَنَّ جَعْلَهُ زِينَةً كَذَلِكَ وَهَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: اطْرَحْ عَنْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أَيْ فَلَا يَتَحَلَّى بِهَا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَنْ دَخَلَهَا بِالْفِعْلِ وَأَنْتَ لَمْ تَدْخُلْهَا بِالْفِعْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ زِينَةٌ لِمَنْ حَلَّ بِهَا وَقَطَعَ الْعَقَبَاتِ وَفَازَ بِالدَّرَجَاتِ وَكَانَ جَزَاءً لَهُ عَنْ اتِّبَاعِهِ شَرْحَ سَيِّدِ السَّادَاتِ إلَى أَنْ حَلَّ بِهِ كَأْسُ الْمَنِيَّاتِ، وَأَنْتَ لَمْ تَكُنْ الْآنَ مِنْ أُولَئِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ مَكْرُوهٌ وَبِالذَّهَبِ حَرَامٌ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُلَوِّحُ لِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِالْأَمْرِ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ إلَّا فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا تَرَى فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ] أَيْ كَوْنُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهَا فِي بَابِ الْإِحْدَادِ لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا وَلَا قُرْطًا وَلَا خَاتَمَ حَدِيدٍ، مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لِغَيْرِ إحْدَادٍ مِنْ النِّسَاءِ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِظَاهِرِهَا أَيْ لِظَاهِرِهَا الَّذِي هُوَ الْجَوَازُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كُنَّا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ كَكَرَاهَةِ التَّخَتُّمِ بِالنُّحَاسِ إلَّا لِمَنْ بِهِ ضَرَرُ الصَّفْرَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ النُّحَاسِ وَإِلَّا لِخَوْفِ الْجِنِّ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا] أَيْ الْتَمِسْ أَيُّهَا الطَّالِبُ لِلتَّزْوِيجِ شَيْئًا تَجْعَلُهُ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَمَسُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَاسْمُ كَانَ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: الْتَمِسْ شَيْئًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ قَلَّ، وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهُ لَا يُعْقَدُ نِكَاحٌ إلَّا بِصَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ إذْ خَاتَمُ الْحَدِيدِ نِهَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ: إنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُسْتَحَبُّ رُبُعُ دِينَارٍ، وَالرَّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ فَإِنْ وَقَعَ بِدُونِهِ أُمِرَ بِالتَّكْمِيلِ فَإِنْ أَبَى فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ دَخَلَ لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ وَلَا يُفْسَخُ وَوَجَّهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَشْهُورَ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّرِقَةِ بِجَامِعِ اسْتِحْلَالِ الْعُضْوِ الْمُحْتَرَمِ [قَوْلُهُ: أَجَابَ الْجُمْهُورُ] الْقَائِلُونَ بِالنَّهْيِ لَا بِالْجَوَازِ.

[قَوْلُهُ: الْمُبَالَغَةَ] أَيْ الْمُبَالَغَةَ فِي الْتِمَاسِ شَيْءٍ لِلتَّزْوِيجِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُلْتَمَسَ خَاتَمُ حَدِيدٍ مِمَّا شَأْنُهُ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِهِ أَيْ فَلَمْ يُرِدْ إفَادَةَ جَوَازِ لُبْسِهِ، بَلْ إنَّمَا أَرَادَ التَّأَكُّدَ فِي الِالْتِمَاسِ وَأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ نِكَاحٌ إلَّا بِصَدَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَزِمَ عَلَيْهِ ارْتِكَابُ مَحْذُورٍ، وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>