للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُصْحَفِ)

أَمَّا حِلْيَةُ الْخَاتَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ أَنْ تَكُونَ فِي شَيْءٍ جَائِزٍ غَيْرِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ كَالْجِلْدِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ كُلُّهُ مِنْ فِضَّةٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» .

وَأَمَّا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ فَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ

ــ

[حاشية العدوي]

آخَرَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الِالْتِمَاسِ وَالِاتِّخَاذِ جَوَازُ اللُّبْسِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَحْصِيلَهُ لِتَنْتَفِعَ بِقِيمَتِهِ الْمَرْأَةُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا حِلْيَةُ الْخَاتَمِ] فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: خَاتَمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَخَاتَامٌ كَسَابَاطٍ، وَخَيْتَامٌ كَبَيْطَارٍ وَجَمْعُهُ خَوَاتِيمُ [قَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ] عِبَارَتُهُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إذْ هُوَ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْفَصَّ يَكُونُ فِي عُودٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ مَا عَدَا الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالرَّصَاصَ.

[قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ. . . إلَخْ] أَيْ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ فِي حِلْيَتِهِ لِلْبَيَانِ أَيْ لَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي شَيْءٍ يَتَحَلَّى بِهِ أَيْ يَتَزَيَّنُ بِهِ الَّذِي هُوَ الْخَاتَمُ، فَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا بَأْسَ بِحِلْيَةٍ، وَتِلْكَ الْحِلْيَةُ هِيَ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ أَيْ وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ الْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: مِنْ فِضَّةٍ] أَيْ فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُ بَلْ يُنْدَبُ بِشَرْطِ قَصْدِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ عَجَبًا وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لَا مُتَعَدِّدًا وَلَوْ كَانَ وَزْنُ الْجَمِيعِ دِرْهَمَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ دِرْهَمَيْنِ فَأَقَلَّ لَا أَزْيَدَ.

[قَوْلُهُ: اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ] أَيْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا أَيْ صَانِعُهُ حَبَشِيٌّ أَوْ مَصْنُوعٌ كَمَا يَصْنَعُهُ الْحَبَشَةُ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي رِوَايَةِ أَنَّ فَصَّهُ مِنْهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَكَانَ فِي يَدِهِ] أَيْ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ يَخْتِمُ بِهِ الْأَحْكَامَ وَالرَّسَائِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، يُقَالُ: هَذَا فِي يَدِ فُلَانٍ أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ جَعَلَهُ أَمِينًا عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ فِي يَدِهِ أَيْ فِي إصْبَعِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلُبْسُ مَلَابِسِهِمْ وَأَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَجُمِعَ بِأَنَّهُمْ لَبِسُوهُ أَحْيَانًا لِلْمُتَبَرِّكِ وَكَانَ مَقَرُّهُ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ وَثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ بِدُونِ تَرَاخٍ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ.

وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: فَكَانَ فِي يَدِهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْحَقِيقَةُ مَعَ اتِّخَاذِ قِطْعَةِ فِضَّةٍ يُنْقَشُ عَلَيْهَا لِيُخْتَمَ بِهَا إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَظْهَرَ الْجَوَازَ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُصْطَفَى لَا يُورَثُ وَإِلَّا لَأَخَذَ وَرَثَتُهُ الْخَاتَمَ وَلِهَذَا أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْخَاتَمَ وَالْقَدَحَ وَالسِّلَاحَ وَنَحْوَهَا مِنْ آثَارِهِ، فَجَعَلَ الْقَدَحَ عِنْدَ أَنَسٍ يُخْرِجُهُ لِمُرِيدِ تَبَرُّكٍ، وَجَعَلَ الْخَاتَمَ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ لِلْحَاجَةِ الَّتِي اتَّخَذَهُ النَّبِيُّ إلَيْهَا فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ خَلِيفَتِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.

[قَوْلُهُ: حَتَّى وَقَعَ] أَيْ سَقَطَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَكَثَ الْخَاتَمُ فِي يَدِهِ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ فَسَقَطَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غُلَامِهِ مُعَيْقِيبٍ، وَالْأُولَى مَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَبَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ، وَيَحْتَمِلُ كَمَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَهُ مِنْ مُعَيْقِيبٍ لِيَخْتِمَ بِهِ شَيْئًا اسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ فِي حَالِ تَفَكُّرِهِ إلَى مُعَيْقِيبٍ فَاشْتَغَلَ بِأَخْذِهِ فَسَقَطَ فَنُسِبَ سُقُوطُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا

[قَوْلُهُ: أَرِيسٍ] كَجَلِيسٍ بِصَرْفٍ وَعَدَمِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءَ.

قَالَ بَعْضٌ: بُسْتَانٌ مَعْرُوفٌ بِبِئْرِ أَرِيسٍ فِيهِ بِئْرٌ وَقَعَ فِيهِ الْخَاتَمُ، فَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ.

وَقَالَ السَّمْهُودِيُّ: بِئْرُ أَرِيسٍ نِسْبَةٌ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ اسْمُهُ أَرِيسٌ وَهُوَ الْفَلَاحُ بِلُغَةِ أَهْلِ الشَّامِ اهـ.

وَقَدْ بَالَغَ عُثْمَانُ فِي التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ وَنَزَحَ الْبِئْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ مَا فِيهِ فَلَمْ يُوجَدْ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَمْرَ الْخِلَافَةِ مَنُوطٌ بِذَلِكَ الْخَاتَمِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: فَكَانَ فِي خَاتَمِ الْمُصْطَفَى مِنْ الْأَسْرَارِ كَمَا كَانَ فِي خَاتَمِ سُلَيْمَانَ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا فَقَدَ خَاتَمَهُ ذَهَبَ مُلْكُهُ وَعُثْمَانُ لَمَّا فَقَدَ الْخَاتَمَ انْتَقَضَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَكَانَ مَبْدَأُ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَفَضَتْ إلَى قَتْلِهِ وَاتَّصَلَتْ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزَةِ الْبِئْرِ.

[قَوْلُهُ: نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ] أَيْ مُتَعَلِّقُ نَقْشِهِ مُحَمَّدٌ أَوْ نَقْشُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>