إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ تَعْظِيمًا لَهُ (وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ التَّحْلِيَةِ بِالْفِضَّةِ (فِي لِجَامٍ وَلَا سَرْجٍ وَلَا سِكِّينٍ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ (وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ) دُونَ الرِّجَالِ (بِالذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ: (وَنَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) تَكْرَارٌ (وَالِاخْتِيَارُ) عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِمَّا) أَيْ مِنْ الَّذِي (رُوِيَ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي التَّخَتُّمِ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ بِالْيَمِينِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إلَى خِنْصَرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى» .
(وَاخْتُلِفَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ) بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ مَا
ــ
[حاشية العدوي]
نَقْشُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَنْقُوشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَتْ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرُهُ الْأَوَّلُ، وَرَسُولُ سَطْرُهُ الثَّانِي، وَاَللَّهِ سَطْرُهُ الثَّالِثُ. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ حَتَّى أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي أَعْلَى السَّطْرِ الثَّلَاثَةِ وَمُحَمَّدٌ فِي أَسْفَلِهَا وَكَذَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ رَجَبٍ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ] وَكَذَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِهِ كَقَبْضَتِهِ أَوْ انْفَصَلَتْ عَنْهُ كَغِمْدِهِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي سَيْفِ الرَّجُلِ وَأَمَّا سَيْفُ الْمَرْأَةِ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهُ وَلَوْ جَاهَدَتْ، وَمَفْهُومُ السَّيْفِ أَنَّ بَقِيَّةَ آلَاتِ الْحَرْبِ يَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا لِأَنَّ السَّيْفَ أَعْظَمُ آلَاتِ الْحَرْبِ.
[قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ] أَيْ تَخْوِيفًا لَهُ أَيْ فَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ يُجَاهِدُ بِهِ لَا غَيْرُ وَإِلَّا حَرُمَ.
[قَوْلُهُ: تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ] وَالْمُصْحَفُ مُثَلَّثُ الْمِيمِ مِنْ أُصْحِفَ بِالضَّمِّ أَيْ جُعِلَتْ فِيهِ الصُّحُفُ، وَكَذَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ خَارِجٍ فَلَا يُكْتَبُ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَا يُجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْشَارُ وَالْأَحْزَابُ وَالْأَخْمَاسُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، كَمَا يُكْرَهُ بِالْحُمْرَةِ أَفَادَهُ بَعْضُ شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ [قَوْلُهُ: مِنْ التَّحْلِيَةِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ التَّحْلِيَةِ أَيْ فَيَقُولُ: وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ] أَيْ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ حِلْيَةَ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُعْفَى عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ بِالذَّهَبِ] وَأَوْلَى بِالْفِضَّةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: يَتَخَتَّمُ بَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعُ الْمَلْبُوسَاتِ مِنْ النُّقُودِ وَلَوْ نَعْلًا وَقَبْقَابًا، وَمَا أُلْحِقَ بِاللِّبَاسِ كَالْأَزْرَارِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَلْبُوسِ كَمُكْحُلَةٍ أَوْ مِرْوَدٍ أَوْ كُرْسِيٍّ فَلَا يَجُوزُ بِهَا.
[قَوْلُهُ: وَنُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ] لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَمِثْلُ الْحَدِيدِ النُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ، وَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْعَقِيقُ وَالْقَزْدِيرُ وَالْخَشَبُ فَجَائِزٌ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا فِي خُصُوصِ النِّسَاءِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي خُصُوصِ الرِّجَالِ.
[قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ] أَيْ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مَالِكٍ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَحْسَنُ وَنَصُّهُ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ مَالِكٌ [قَوْلُهُ فِي التَّخَتُّمِ] أَيْ فِي الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ مِنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أَيْ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخَتَّمَ فِي الْيَمِينِ وَفِي الْيَسَارِ»
[قَوْلُهُ: التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ جَعْلُهُ فِي الْخِنْصَرِ وَكَانَ مَالِكٌ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ] أَيْ الصَّادِقِ بِالْخَاتَمِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ بَيِّنٍ وَإِنَّمَا هَكَذَا جَاءَ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ قَالَ فِي الْقَبَسِ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَفِي يَسَارِهِ وَاسْتَقَرَّ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، فَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ مَكْرُوهٌ وَيَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ فِي الْخِنْصَرِ وَيَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي الْكَفَّ لِأَنَّ بِذَلِكَ أَتَتْ السُّنَّةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ حَسَنٌ، فَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ خَلَعَهُ كَمَا يَخْلَعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخَلَاءِ اهـ. وَلِأَنَّ كَوْنَهُ فِي الْيَسَارِ أَبْعَدُ عَنْ الْإِعْجَابِ.
[قَوْلُهُ: اتَّخَذَ خَاتَمًا. . . إلَخْ] وَسَبَبُ اتِّخَاذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَاتَمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ إلَى أَنْ مَاتَ. [قَوْلُهُ: فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ] أَيْ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ [قَوْلُهُ: كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ] أَيْ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ