للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلَحْمَتُهُ صُوفٌ مَثَلًا عَلَى أَقْوَالٍ أَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (فَأُجِيزَ وَكُرِهَ) صَحَّحَ فِي الْقَبَسِ الْأَوَّلَ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ، وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ وَكَانَ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ: إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» . (وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ) اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ (إلَّا الْخَطَّ الرَّقِيقَ) وَهُوَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُصْبُعٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ظَاهِرُهُ بِاتِّفَاقٍ (وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ) عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ (مِنْ الرَّقِيقِ مَا) أَيْ الَّذِي (يَصِفُهُنَّ إذَا خَرَجْنَ) مِنْ بُيُوتِهِنَّ، أَمَّا إذَا لَبِسْنَهُ فِي بُيُوتِهِنَّ مَعَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَالَ. . . إلَخْ] أَيْ أَنَسٌ.

[قَوْلُهُ: عَلَى أَقْوَالٍ] أَيْ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الشَّارِحُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَزِّ فَيَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَشُوبَةِ بِالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَقَدْ قَرَّرَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَحْوَهُ قَائِلًا إنَّ مَا كَانَ لُحْمَتُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَسَدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ يَحْرُمُ مُعْتَمِدًا مَا لِلْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرَةٍ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَيْ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ وَمَا سَدَاه مِنْ صُوفٍ مَثَلًا وَلُحْمَتُهُ حَرِيرٌ كَذَلِكَ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا أَحَدُ هَذَيْنِ فِيهِ مِنْ الْحَرِيرِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوَّلًا، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْخَزَّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرُهُ حَرِيرًا إذْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُ هَذَيْنِ فِيهِ حَرِيرًا وَهُوَ أَكْثَرُ قَالَهُ عج

[قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ] وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ فَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: فِي حُلَّةٍ] بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَكَانُوا يَأْتَزِرُونَ بِبُرْدٍ وَيَرْتَدُونَ بِآخَرَ وَيُسَمَّيَانِ حُلَّةً وَالْجَمْعُ حُلَلٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ.

[قَوْلُهُ: عُطَارِدٍ] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ. ابْنُ حَاجِبٍ التَّمِيمِيُّ: وَفَدَ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَصْلُ الْقِصَّةِ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عُطَارِدًا يُقِيمُ حُلَّةً بِالسُّوقِ وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك.

وَفِي رِوَايَةٍ فَلَبِسْتهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفْدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ أَيْ لَا حَظَّ وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَيْرِ» وَهَذَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَإِلَّا فَالْمُؤْمِنُ الْعَاصِي لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ فَلَهُ خَلَاقٌ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى إبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ.

[قَوْلُهُ: وَكَانَ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ] فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ حَرِيرًا خَالِصًا فَلَيْسَ فِيهِ شَاهِدٌ حِينَئِذٍ لِلْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ.

[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ] يُتَصَوَّرُ فِي نَحْوِ الْحُبْكَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيمَا يُجْعَلُ عَلَى رُءُوسِ النِّسَاءِ مِنْ حَبْرَةٍ وَنَحْوِهَا كَذَا قَالَ عج

[قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ] مَوْضُوعُ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ أُصْبُعٍ إلَى أَرْبَعٍ بِدُخُولِ الْغَايَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُصْبُعٍ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأُصْبُعُ الْمُتَوَسِّطُ أَفَادَهُ عج

[قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ بِاتِّفَاقٍ] وَقِيلَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَحْرِيمَ لُبْسِ مَا يَصِفُ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَحَكَى فِي الْقَبَسِ أَنَّ لُبْسَ الرَّقِيقِ مِنْ الثِّيَابِ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَعَ الزَّوْجِ اهـ.

[قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ.

[قَوْلُهُ: يَصِفُهُنَّ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ الَّذِينَ يُوصَفْنَ فِيهِ فَإِسْنَادُ الْوَصْفِ لِلثِّيَابِ اسْتِعَارَةٌ أَيْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَعَالِي الْجَسَدِ كَالثَّدْيَيْنِ وَالرِّدْفِ، وَإِذَا الْتَصَقَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إلَّا اللَّحْمُ وَغَابَ عَنْ الْعَيْنَيْنِ لِوَقْتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ مَا يَشِفُّ حُكْمُ مَا يَصِفُ. ق: وَمِثْلُهُ أَيْ وَمِثْلُ مَا يَصِفُ الثَّوْبُ الَّذِي يَشِفُّ لَا يَخْرُجْنَ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي إذَا قُوبِلَ الْجَسَدُ مِنْهُ يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ اهـ.

وَقَوْلُهُ: اسْتِعَارَةٌ أَيْ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِاَلَّذِي يَصِفُ مَا تَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ أَيْ يَظْهَرُ جِرْمُهَا إذَا كَانَتْ بَارِزَةً كَالثَّدْيَيْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَارِزَةً فَلَا يَظْهَرُ جِرْمُهَا مَا لَمْ يَلْتَصِقْ فَيَظْهَرُ جِرْمُهَا، وَأَرَادَ بِاَلَّذِي يَشِفُّ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْجِرْمُ وَلَوْ لَمْ يَبْرُزْ وَلَوْ لَمْ يَلْتَصِقْ فَلَمْ يُرِدْ بِاَلَّذِي يَصِفُ مَا يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ كَمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فَلَا يُخَالِفُ حِينَئِذٍ مَا فِي عج.

وَنَصُّهُ بَعْدَ يَصِفُهُنَّ أَيْ مَا تَظْهَرُ مِنْهُ الْبَشَرَةُ لَا مَا يَظْهَرُ مِنْهُ جِرْمُ الْعَوْرَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ، أَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>