أَزْوَاجِهِنَّ فَيَجُوزُ.
(وَلَا يَجُرُّ الرَّجُلُ إزَارَهُ بَطَرًا) أَيْ كِبْرًا (وَلَا ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَمْدُودًا بِمَعْنَى الْبَطَرِ، وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَذَلِكَ إذَا قَصَدَتْ الْخُيَلَاءَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ ذِرَاعًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ (وَ) إذَا لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ فِعْلُ ذَلِكَ فَ (لِيَكُنْ)
ــ
[حاشية العدوي]
وَحَيْثُ عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءُ إذْ يَظْهَرُ حُرْمَةُ لُبْسِ الْقَمِيصِ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ لَوْنُ الْعَوْرَةِ مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَبَسِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الَّذِي لَا يَشِفُّ [قَوْلُهُ: إذَا خَرَجْنَ. . . إلَخْ] ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْبَسُ أَيْ وَلَا يَلْبَسُ إذَا خَرَجْنَ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ الْمُرَادُ لَا يُلْبَسُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيِّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. [قَوْلُهُ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ] أَيْ أَوْ مَعَ سَادَاتِهِنَّ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَجُرُّ. . . إلَخْ] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: بَطَرًا] أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَرِّ بَطَرًا أَيْ ذَا بَطَرٍ أَوْ جَرَّ بَطَرٍ أَوْ حَالَ كَوْنِ الرَّجُلِ ذَا بَطَرٍ. وَقَوْلُهُ: أَيْ كِبْرًا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَطَرًا بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ كِبْرًا أَوْ لَعَلَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الرَّجُلِ، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْكِبْرِ فَلَيْسَ الْكِبْرُ تَفْسِيرًا لَهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبَطَرِ دَهَشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا
[قَوْلُهُ: وَلَا ثَوْبَهُ] مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: إزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ قَمِيصٌ أَوْ سَرَاوِيلُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُسَمَّى ثَوْبًا، فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت فَهَلَّا اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ الْعَامِّ عَنْ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ؟ قُلْت: اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ خَصَّ الْإِزَارَ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِانْدِرَاجِهِ فِي الْعَامِّ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْخُيَلَاءِ] أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَرِّ نَاشِئًا مِنْ الْخُيَلَاءِ.
[قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا] قَدَّمَ الضَّمَّ لِأَكْثَرِيَّتِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْبَطَرِ] وَالْبَطَرُ هُوَ الْكِبْرُ أَيْ فَقَدْ تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ] وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» . ثُمَّ أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجُرَّ ثَوْبَهُ أَوْ إزَارَهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ كِبْرًا أَوْ عُجْبًا. وَتَقْيِيدُهُمْ جَوَازَهُ لِلْمَرْأَةِ بِقَصْدِ السَّتْرِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ عج بِأَنَّ قَوْلَهُ بَطَرًا أَوْ مَظِنَّةَ بَطَرٍ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ
[قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ. . . إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَصَدَتْ السَّتْرَ [قَوْلُهُ: يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ ذِرَاعًا] أَيْ إذَا اُحْتِيجَ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ. . . إلَخْ] نَصَّهَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُرْخِيهِ شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ كَيْفَ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ إذْ بِهِ يَحْصُلُ أَمْنُ الِانْكِشَافِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَهَا حَالَةَ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ قَدْرُ شِبْرٍ، وَحَالَةَ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ.
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: هَلْ ابْتِدَاءُ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ الرِّجَالُ وَهُوَ مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ أَوْ حَدُّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّالِثُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيَّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا؟ قَالَ: شِبْرًا قَالَتْ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» فَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَجُرَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ ذِرَاعًا أَيْ لِأَنَّ الْجَرَّ السَّحْبُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ لِمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ: «رَخَّصَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ الْمَأْذُونَ شِبْرَانِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ تُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا اهـ. لَفْظُ شَارِحِ الْمُوَطَّأِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا خُفَّ لَهَا وَلَا جَوْرَبَ وَإِلَّا فَلَا تَزِيدُ قَالَهُ