الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَقَوْلُهُ: (وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ اشْتِمَالِك) أَيْ تَحْتَ مَا تَشْتَمِلُ بِهِ (ثَوْبٌ) تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الِاشْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ) أَيْ إزَارٌ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمَالِكٍ بِالْمَنْعِ اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْإِبَاحَةُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ.
(وَيُؤْمَرُ) الْمُكَلَّفُ (بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ) عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وُجُوبًا إجْمَاعًا، وَفِي الْخَلْوَةِ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِزَارَةُ) الرَّجُلُ (الْمُؤْمِنُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ (إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ)
ــ
[حاشية العدوي]
وَبَعْضُهُمْ رَجَّعَهُ لِلْمُشْتَمَلِ بِهِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ.
[قَوْلُهُ: وَيَسْدُلُ] بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْجِهَةَ الْأُخْرَى] الْجِهَاتُ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، فَالْعِبَارَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَيَسْدُلُ ذَا الْجِهَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الْيُمْنَى وَذُوهَا وَهُوَ الطَّرَفُ الْآخَرُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ التَّكَلُّفِ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ: وَهِيَ عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ أَيْ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ جُمْلَةً حَالِيَّةً. وَقَوْلُهُ: يَرْفَعُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَيُنْهَى عَنْ الِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَالصَّمَّاءُ رَفْعُك الطَّرَفَ. . . إلَخْ أَيْ ذُو رَفْعِك أَيْ الَّذِي هُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.
[قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَ. . . إلَخْ] يَقْتَضِي أَنَّهُ غَطَّاهَا ابْتِدَاءً. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ ذَلِكَ يَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْيُسْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُغَطِّهَا ابْتِدَاءً فَتَنَاقَضَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الصَّمَّاءَ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا يُغَطِّي يَدَهُ ابْتِدَاءً، ثُمَّ إذَا بَدَا لَهُ أَمْرٌ يَرْفَعُ طَرَفَهَا مِنْ نَاحِيَةِ شِمَالِهِ لَا يَمِينِهِ أَيْ يَرْفَعُ شِمَالَهُ مِنْ تَحْتِ الْإِزَارِ. فَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ أَيْ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ نَاحِيَةِ يَسَارِهِ إذَا بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يُنَافِي آخِرَهُ، أَيْ فَيَكُونُ ذَاهِبًا فِي تَفْسِيرِهَا إلَى طَرِيقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ.
وَأَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَالْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الرَّفْعَ مُتَوَهَّمٌ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ السَّاتِرِ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ مَعَ السَّاتِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ كَشْفِ الْكُلِّ.
[قَوْلُهُ: أَيْ تَحْتَ مَا تَشْتَمِلُ بِهِ] أَيْ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ [قَوْلُهُ: أَيْ إزَارٍ] مَثَلًا لِيَدْخُلَ نَحْوُ السِّرْوَالِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْقَوْلَيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ] أَيْ فَفِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» ، وَعِلَّةٌ أُخْرَى زَادَهَا فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَيَفْعَلَهُ وَلَا إزَارَ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْعَالِمَ يَفْعَلُهُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ] أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ.
[قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْمُكَلَّفُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ] قَالَ عج: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرٌ اهـ.
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُرَاهِقًا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ كَكَبِيرٍ وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُ عَوْرَتِهِ فَهَلْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّتْرُ كَالْكَبِيرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهِ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلْيُحَرَّرْ.
[قَوْلُهُ: عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ] احْتِرَازًا عَنْ حَالَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهَا وَلَوْ بِخَلْوَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَهَلْ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْعَاقِلِ كَالْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَفِيهِ قُصُورٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَازَ الْغُسْلِ فِي الْفَضَاءِ ابْنُ رُشْدٍ لِقَصْرِ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ [قَوْلُهُ: وَفِي الْخَلْوَةِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِيُؤْمَرُ الشَّامِلُ لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا، وَفِي نَظَرِ الْإِنْسَانِ لِعَوْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُلِيَ بِالزِّنَا. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ] هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَاسْتَصْوَبَ الْكَسْرَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ] مِثْلُهُ لتت أَيْ لَا الْمَرَّةُ حَتَّى يَكُونَ بِالْفَتْحِ.