للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» .

(وَالْفَخِذُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ، وَالْوَرِكُ (عَوْرَةٌ) عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِي مِنْهُ (وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَشَفَ فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَانْكَشَفَ فَخِذُهُ أَيْضًا حِينَ أَجْرَى فَرَسَهُ» .

(وَلَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ) بِالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ

ــ

[حاشية العدوي]

فَائِدَةٌ:

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَنْتَصِبُ الرَّجُلُ عُرْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِذَا اغْتَسَلَ فَلْيَنْضَمَّ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ.

قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ أَحَدٌ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ إلَّا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا فَيَكْفِيهِ مِئْزَرٌ.

[قَوْلُهُ: إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ] وَيُبَاحُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْكَعْبَيْنِ.

[قَوْلُهُ: إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ] يَعْنِي الْحَالَةَ الْمُرْضِيَةَ مِنْ الْمُؤْمِنِ الْحَسَنَةَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ.

[قَوْلُهُ: أَنْصَافِ] وَجَمَعَ أَنْصَافَ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: مِثْلُ رُءُوسِ الْكَبْشَيْنِ وَذَلِكَ عَلَامَةُ التَّوَاضُعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَلَمَةَ كَانَ عُثْمَانُ يَأْتَزِرُ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ.

وَقَالَ: كَانَتْ إزْرَةُ صَاحِبِي يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: لَا جُنَاحَ] أَيْ لَا حَرَجَ.

[قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ] فَيَجُوزُ إسْبَالُهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ فَلَهُ حَالَتَانِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ] مَا مَوْصُولٌ، وَبَعْضُ صِلَتِهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَانَ وَأَسْفَلَ خَبَرُهُ فَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ مَا هُوَ أَسْفَلُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِأَسْفَلَ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ الْكَعْبَيْنِ.

[قَوْلُهُ: فَفِي النَّارِ] دَخَلَتْ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ مَا مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِ الْإِزَارِ الْمُسْبَلِ فَهُوَ فِي النَّارِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنَالُهُ الْإِزَارُ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَكَنَّى بِالثَّوْبِ عَنْ بَدَنِ لَابِسِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْقَدَمِ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يُفِيدُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ مِنْ وَادِي إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، أَوْ يَكُونُ مِنْ الْوَعِيدِ لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَةَ أَحَقُّ بِذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ] أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ.

[قَوْلُهُ: بَطَرًا] بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ أَوْ كَسْرِهَا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَرَّ رِوَايَتَانِ.

[قَوْلُهُ: وَالْفَخِذُ] مُؤَنَّثَةٌ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْفَاءِ وَكَسْرُ الْخَاءِ، وَسُكُونُهَا مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِهَا، وَكَسْرُهُمَا.

[قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ كَشْفُهُ مَعَ مَنْ ذُكِرَ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ ذُكِرَ نَظَرُهُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ يَجُوزُ كَشْفُهَا مَعَ الْخَوَاصِّ وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِمْ، أَيْ يُكْرَهُ مَعَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ كَرِهَ النَّظَرَ إلَيْهِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى كَوْنُهُ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا خَفَّ أَمْرُهُ فَغَايَةُ مَا يُقَالُ: يُكْرَهُ مَعَ غَيْرِ الْخَاصَّةِ وَالْحُرْمَةُ بَعِيدَةٌ.

قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّظَرَ لِفَخِذِ الْأَمَةِ حَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ.

[قَوْلُهُ: كَشَفَ فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ. . . إلَخْ] فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا فَخِذَيْهِ وَسَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَدَخَلَ، وَتَحَدَّثَ مَعَهُ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُبَالِهِ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تُبَالِهِ أَيْ لَمْ تَهْتَمَّ لِدُخُولِهِمَا وَتَسْتُرْ فَخِذَيْك، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْت وَسَوَّيْت ثِيَابَك فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَالِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُ مَزِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ فُهِمَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ لَيْسَ مِنْ الْخَوَاصِّ، وَوَجْهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَسْوِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْخَوَاصِّ بَلْ حَيَاءً مِنْهُ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَسْتَحِي مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَانْكَشَفَ فَخِذُهُ أَيْضًا حِين أَجْرَى فَرَسَهُ] قَدْ يُقَالُ: هَذَا غَلَبَةٌ لَا اخْتِيَارٌ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُغَطِّهِ حِينَ انْكَشَفَ مَعَ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ لَهُ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>