للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَلَى وَسَطِهَا» . وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّفْحَةِ وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا» . فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْخِ الْكَرَاهَةَ بِالثَّرِيدِ لَا مَفْهُومَ لَهُ (وَنَهَى عَنْ الْقِرَانِ) أَيْ الِازْدِوَاجُ (فِي التَّمْرِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ» ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ شُعْبَةَ لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَيْ الِاسْتِئْذَانَ إلَّا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ (وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ) النَّهْيَ عَنْ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ إنَّمَا هُوَ (مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ) ع: هَذَا تَفْسِيرٌ لِعُمُومِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ ق: وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ إنْ عَلَّلْنَا بِسُوءِ الْأَدَبِ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِبْدَادِ وَكَانَ الْقَوْمُ شُرَكَاءَ بِشِرَاءٍ أَوْ مُطْعِمِينَ كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ. وَقَوْلُهُ: فِي التَّمْرِ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ

ــ

[حاشية العدوي]

الشَّيْطَانِ وَبِأُصْبُعَيْنِ أَكْلُ الْجَبَابِرَة وَبِالثَّلَاثِ أَكْلُ الْأَنْبِيَاءِ» . [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ. . . إلَخْ] الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: تِلْكَ الْبَرَكَةُ أَجْزَاءٌ مِنْ نَوْعِ الطَّعَامِ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ نُزُولِ الرَّحَمَاتِ. فَتَقُومُ بِالْأَعْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَوْ تَجُوزُ بِاللَّفْظِ عَنْ حُصُولِهَا فِيهِ وَالسِّرُّ فِيهِ الْإِشَارَةُ إلَى تَحْقِيقِ هَذَا الزَّائِدِ وَكَأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَعَيَّنٌ أَوْ أَنَّ مَنْ يُمْنِي عَنْ أَيْ أَنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَنْ أَعْلَاهَا وَتَحِلُّ فِي جَوَانِبِهَا، فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ: كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَنْ وَسَطِهَا وَتَحِلُّ فِي جَوَانِبِهَا» .

وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْأَعْلَى مَا دَامَ بَاقِيًا تَنْزِلُ الْبَرَكَةُ فَإِذَا أُزِيلَ ذَلِكَ الْأَعْلَى يَنْقَطِعُ نُزُولُ الْبَرَكَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ هُنَاكَ شَيْءٌ حِسِّيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْلَى، وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهَا أَجْزَاءٌ حِسِّيَّةٌ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ سُرْعَةِ إيجَادِ الشِّبَعِ فِي الْأَكْلِ مَا دَامَ الْأَعْلَى بَاقِيًا فَلَا يَحْتَاجُ الْآكِلُ فِي شِبَعِهِ إلَى كَثْرَةِ مَا يُدْخِلُهُ جَوْفَهُ مِنْ الطَّعَامِ.

[قَوْلُهُ: فَبَانَ بِهَذَا] أَيْ بِقَوْلِهِ: فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّرِيدَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ ثَرَدْت الْخُبْزَ ثَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُفَتُّ مِنْ الْخُبْزِ ثُمَّ يُبَلُّ بِالْمَرَقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ وَشَرْحُ الشَّمَائِلِ بَلْ حَتَّى الرَّغِيفِ كَمَا قَالَهُ ق. لَا يَبْتَدِئُ أَكْلَهُ مِنْ وَسَطِهِ وَيَقْسِمُهُ بِالْيَدِ أَجْزَاءً يَجْعَلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَاشِيَةً إنْ أَمْكَنَهُ وَيُكْثِرُ أَجْزَاءَهُ إنْ كَانَ أَكَلَهُ جَمَاعَةٌ وَلَا يَقْسِمُهُ بِالْخِنْجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ، وَالسُّنَّةُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ وَالسُّنَّةُ فِي أَكْلِهِ النَّهْشُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ.

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» وَقَالَ: «سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» . انْتَهَى.

[قَوْلُهُ: أَيْ الِازْدِوَاجِ] أَيْ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ الْأَدَبُ أَكْلُ كُلِّ تَمْرَةٍ وَحْدَهَا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَقْرُنَ] مِنْ بَابِ قَتَلَ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ، أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الشَّخْصَ عَنْ الْقِرَانِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ] أَيْ الْجِنْسَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآكِلُ مَعَهُ وَاحِدًا فَقَطْ، وَالْمُرَادُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ وَيَأْذَنُوا أَيْ أَوْ يَأْذَنُوا ابْتِدَاءً.

[قَوْلُهُ: لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ] أَيْ الِاسْتِئْذَانَ لَعَلَّ الْبَاعِثَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ مِمَّنْ أُخِذَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَأَرَادَ بِالْكَلِمَةِ الْجُمْلَةَ وَقَوْلُهُ أَيْ الِاسْتِئْذَانَ أَيْ دَالَّةٌ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ] ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ عَامٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ. . . إلَخْ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ شَهَّرَ غَيْرَ الْقَوِيِّ وَضَعَّفَ مَا كَانَ غَايَةً فِي الْقُوَّةِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعُمُومِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعُمُومَ الْأَوَّلَ لَا يُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ يُخَصُّ إذَا كَانَ مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ تَفْسِيرًا غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَالْحَاصِلُ لَهُ عَلَى ارْتِكَابِهِ إنَّمَا هُوَ لِجَرَيَانِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَشْهُورِ

[قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ لِلْأَدَبِ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ وَعَلَى الثَّانِي لِلْحُرْمَةِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِبْدَادِ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَادَ لَيْسَ هُوَ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ بَلْ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ مَا قُلْنَا.

[قَوْلُهُ: وَكَانَ الْقَوْمُ] أَيْ الْآكِلُونَ.

[قَوْلُهُ: بِشِرَاءٍ] لَا مَفْهُومَ لِلشِّرَاءِ بَلْ مِثْلُهُ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مُطْعَمِينَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَعْطُوفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>