للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبِهِ (وَأَجَازَهَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ. ج: وَإِتْيَانُ الشَّيْخِ بِقَوْلِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَأَنَّ فِيهِ الْإِشَارَةَ إلَى قُوَّتِهِ عِنْدَهُ كَإِتْيَانِ سَحْنُونَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ. الْقَرَافِيُّ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ الْمُعَانَقَةَ «لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهَا إلَّا مَعَ جَعْفَرٍ» وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ عَنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِوَدَاعٍ مِنْ فَرْطِ أَلَمِ الشَّوْقِ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ، وَالْمُصَافَحَةُ فِيهَا الْعَمَلُ، انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ الْمُصَافَحَةُ. قَالَ غَالِبُ التَّمَّارُ: قَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا، فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ عَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ (وَكَرِهَ مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَقْبِيلَ الْيَدِ) أَيْ يَدِ الْغَيْرِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْغَيْرُ عَالِمًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ زَوْجًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ وَيَدْعُو إلَى الْكِبْرِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ (وَأَنْكَرَ) مَالِكٌ

ــ

[حاشية العدوي]

مُنَافٍ لِمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ] أَرَادَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ. الْمُجْتَهِدِينَ وَالْفَضْلُ لُغَةً الزِّيَادَةُ، فَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الزِّيَادَةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا فِي النَّاسِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ، وَأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: بِقَوْلِ الْغَيْرِ] أَيْ غَيْرِ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ دَلِيلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ التَّحْقِيقِ أَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ سُفْيَانُ وَمُعَانَقَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَقُولُ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِتِلْكَ الْإِحَاطَةِ الْمُوهِمَةِ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَخْ لَيْسَ دَلِيلًا بِالْكَرَاهَةِ [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَلُ] أَيْ وَعَمَلُ الصَّحْبِ حُجَّةٌ تُقَدَّمُ عَلَى الْحَدِيثِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَمْ يَرُدَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَطَّ الْعِلَّةِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَصْحَبْهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ إلَخْ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ تَعْلِيلًا بِخُصُوصِهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ] تَعْلِيلٌ ثَانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ، وَأَقُولُ: كَيْفَ يَلِيقُ التَّعْلِيلُ بِهَذَا وَقَدْ فَعَلَهَا أَشْرَفُ الْخَلَائِقِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُعَانَقَةَ مِنْ مِثْلِ الْمُصْطَفَى لَا تَنْفِرُ النُّفُوسُ مِنْهَا بَلْ لَوْ بَذَلَ جَعْفَرٌ فِي تَحْصِيلِهَا خَزَائِنَ مِنْ الْأَمْوَالِ لَكَانَ الرَّابِحَ.

[قَوْلُهُ: مَنْ فَرَطٍ] أَيْ شِدَّةِ أَلَمٍ هُوَ الشَّوْقُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَوْ قُدُومٍ مِنْ غَيْبَةٍ فَالْحَصْرُ غَيْرُ مُرَادٍ.

[قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ الْأَهْلِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا لِوَدَاعٍ أَيْ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ عِنْدَ قَصْدِ سَفَرٍ أَوْ قُدُومٍ مِنْهُ، وَقَضِيَّةُ عَطْفِهِ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَادَةً ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ شِدَّةَ أَلَمِ الشَّوْقِ لَا تَكُونُ عَادَةً إلَّا مَعَ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ مِنْ شِدَّةِ قَرَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَهْلِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَطْفُ فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَخُصَّ الْأَهْلَ بِالزَّوْجَةِ وَتَجْعَلَ الْأَوَّلَ قَاصِرًا عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ، أَوْ تَجْعَلَ الْأَهْلَ شَامِلًا لِلزَّوْجَةِ وَقَرِيبِ الْقَرَابَةِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَحْصُلَ شِدَّةُ الشَّوْقِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أَوْ تَجْعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَنُكْتَتُهُ ظَاهِرَةٌ مِنْ شِدَّةِ الِاتِّصَالِ الَّذِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ النَّقْلِ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ الْأَهْلِ وَنَحْوِهِمْ فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَيْ عَادَةً لَا أَنَّ الْمُرَادَ تُفْعَلُ شَرْعًا الْمُفِيدُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ أَوْ غَيْرِهِمْ.

[قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ] أَشَارَ بِالتَّأَمُّلِ إلَى مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالتَّخَالُفِ وَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ قَدْ صَحِبَهَا عَمَلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَيُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ لَمْ يَصْحَبْهَا عَمَلٌ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: يَدُ الْغَيْرِ] أَيْ وَأَمَّا يَدُ النَّفْسِ فَالشَّأْنُ أَنَّ النَّفْسَ لَا تَلْتَفِتُ لَهُ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ النَّفْسَ نَظَرَتْ لِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا، [قَوْلُهُ: عَالِمًا] دَخَلَ الْوَلِيُّ فِي الْعَالِمِ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] أَيْ نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ] أَيْ الدَّاعِي إلَى الْكِبْرِ [قَوْلُهُ: وَيَدْعُو إلَى الْكِبْرِ] وَإِنْ كَانَ الْمَنْظُورُ فِيهِ لِلْعُمُومِ إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ لَهُ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّ فِعْلَ الْأَعَاجِمِ كُلَّهُ مَذْمُومٌ وَيَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَأَخْلَاقِهِمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ مَعَ كُبَرَائِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>