للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا رُوِيَ فِيهِ) أَيْ فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ. د: إنْ كَانَ إنْكَارُهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ إمَامُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ فَلِمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إنَّمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ يَدِ الظَّلَمَةِ وَالْجَبَابِرَةِ، وَأَمَّا يَدُ الْأَبِ وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ فَجَائِزٌ

(وَلَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) وَسَائِرَ الْكُفَّارِ (بِالسَّلَامِ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ (فَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) نِسْيَانًا أَوْ ظَنًّا أَنَّهُ مُسْلِمٌ (فَلَا يَسْتَقِيلُهُ) أَيْ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِقَالَةَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّمَا سَلَّمْت عَلَيْك ظَنًّا مِنِّي أَنَّك مُسْلِمٌ، وَلَوْ عَلِمْت أَنَّك كَافِرٌ مَا سَلَّمْت عَلَيْك فَرُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْته عَلَيْك، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ (وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ (الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَلْيَقُلْ) لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ (عَلَيْك) بِغَيْرِ وَاوٍ (وَمَنْ قَالَ) فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ (عَلَيْك السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ) الْقَرَافِيُّ: يَنْبَغِي فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَقُولَ بِغَيْرِ وَاوٍ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ، فَإِنْ تَحَقَّقَتْ أَنَّهُمْ قَالُوا

ــ

[حاشية العدوي]

مَعْرُوفٌ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ فَوَجَبَ كَرَاهَتُهُ.

[قَوْلُهُ: وَرُؤْيَةُ النَّفْسِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَرُؤْيَةُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ أَمْرًا عَظِيمًا، وَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ أَيْ وَرُؤْيَةُ النَّفْسِ أَنَّهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ.

[قَوْلُهُ: أَيْ فِي تَقْبِيلٍ] مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مِنْهَا «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقِيسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَدَرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» وَهُوَ صَحِيحٌ، وَمِنْهَا «تَقْبِيلُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ يَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ الْمُقَبِّلُ مُسْلِمًا وَأَمَّا لَوْ قَبَّلَ يَدَكَ نَصْرَانِيٌّ مَثَلًا فَلَا.

[قَوْلُهُ: الْيَدُ] يُرِيدُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ قَالَهُ ج، [قَوْلُهُ: د: إنْ كَانَ إلَخْ] قَصْدُهُ تَقْوِيَةَ إنْكَارِ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إنْكَارُهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ] أَيْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَرْوِيًّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُسَلَّمٌ لِأَنَّهُ إمَامُ الْحَدِيثِ، أَقُولُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلْمُجْتَهِدِ فَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْكِبْرِ، ثُمَّ أَقُولُ: هَذَا التَّرَدُّدُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَقْبَلُهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا رُوِيَ فِيهِ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إلَخْ] مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ بَطَّالٍ أَبُو الْحَسَنِ الْبِكْرِيُّ يُعْرَفُ بِابْنِ اللَّحَّامِ، أَصْلُهُمْ مِنْ قُرْطُبَةَ وَأَخْرَجَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى بَلَنْسِيَةَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ عُنِيَ بِالْحَدِيثِ الْعِنَايَةَ التَّامَّةَ، وَأَلَّفَ شَرْحَ الْبُخَارِيِّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.

[قَوْلُهُ: الظَّلَمَةُ] جَمْعُ ظَالِمٍ وَالْجَبَابِرَةُ جَمْعُ جَبَّارٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَسَاسُ أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ الْجَهَلَةِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ أَيْ كَثِيرُ الْجَبْرِ أَيْ الْقَهْرِ.

[قَوْلُهُ: وَمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: فَجَائِزٌ أَرَادَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُنَافِي نَدْبَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْبِرِّ لِلْوَالِدِ وَرَجَاءِ الْبَرَكَةِ مِنْ الصَّالِحِ، وَقَدْ قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْجَوَازِ لِمَنْ يَجُوزُ التَّوَاضُعُ مِنْهُ وَيُطْلَبُ إبْرَارُهُ اهـ. .

[قَوْلُهُ: وَلَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ] وَمِثْلُهُمْ سَائِرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ [قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْكُفَّارِ] أَيْ بَاقِي الْكُفَّارِ.

[قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ] أَيْ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ» ، [قَوْلُهُ: نِسْيَانًا] أَيْ لِلنَّهْيِ أَوْ جَاهِلًا لِلْحُكْمِ.

[قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَقِيلُهُ] لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: فَرُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي] أَيْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَقِيلُهُ أَيْ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُمْكِنُ.

[قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ] أَيْ نَدْبًا لَا وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ: فَلْيَقُلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ كَمَا أَفَادَهُ عج.

[قَوْلُهُ: عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ] لِمَا فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُّ عَلَيْكُمْ» فَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ لِيَكُونَ دُعَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمْ اللِّئَامُ وَاللَّعْنَةُ، وَالسَّامُّ الْمَوْتُ وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الَّذِي نَطَقَ بِالسَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَالَهُ عج، قَوْلُهُ: فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَنْ قَالَ كَذَا فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَلَيْسَ قَصْدُهُ التَّضْعِيفَ [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلْيَقُلْ عَلَيْك بِغَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>