بِاللِّسَانِ وَأَنْ يُرِيدَ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَيَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَالَهُ (وَ) مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ (أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ) فَلْيُمْتَثَلْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَيُنْتَهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ (وَمِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (بِك) أَيْ بِقُدْرَتِك (نُصْبِحُ وَبِ) قُدْرَتِ (كَ نُمْسِي وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَتَقُولُ) زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إنْ كُنْت (فِي الصَّبَاحِ وَإِلَيْك النُّشُورُ) أَيْ انْتِشَارُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَ) إنْ كُنْت (فِي الْمَسَاءِ) قُلْت: بَدَلَ مَا زِدْته (وَإِلَيْك الْمَصِيرُ) وَهَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ بِلَفْظِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِك أَمْسَيْنَا وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَإِلَيْك النُّشُورُ» . «وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِك أَمْسَيْنَا وَبِك أَصْبَحْنَا وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَإِلَيْك الْمَصِيرُ» . (وَرُوِيَ) أَنَّهُ يَقُولُ: (مَعَ ذَلِكَ) الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الصَّبَاحِ: (" اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ عِبَادِك عِنْدَك حَظًّا وَنَصِيبًا فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ نُورٍ) أَيْ هُدًى (تَهْدِي بِهِ أَوْ رَحْمَةٍ) بِمَعْنَى نِعْمَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
وَأَعْظَمُ وَالْكَثْرَةُ بِثَلَاثِمِائَةِ كُلِّ يَوْمٍ.
[قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ] وَالذَّكِيُّ الْكَامِلُ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ مَا قَالَهُ عُمَرُ.
[قَوْلُهُ: ذِكْرُ اللَّهِ] أَيْ ذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ أَمْرِهِ أَيْ فَيَقِفُ عِنْدَ الْحُدُودِ إنْ رَأَى وَاجِبًا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ فَفَعَلَهُ، وَإِنْ رَأَى مَحْظُورًا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ فَاجْتَنَبَهُ، وَمَعْنَى ذَكَرَ اللَّهَ أَيْ ذَكَرَ ثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ أَوْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَةِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَمْتَثِلُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذِكْرُ اللَّهِ ضَرْبَانِ ذِكْرٌ بِالْقَلْبِ وَذِكْرٌ بِاللِّسَانِ، وَذِكْرُ الْقَلْبِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَرْفَعُ الْأَذْكَارِ وَأَجَلُّهَا الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَآيَاتِهِ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، وَالثَّانِي ذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَمْتَثِلُ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَيَقِفُ عَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ذِكْرُ اللِّسَانِ مُجَرَّدًا فَهُوَ أَضْعَفُ الْأَذْكَارِ وَلَكِنْ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ.
[قَوْلُهُ: كُلَّمَا أَصْبَحَ] أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ وَكُلَّمَا أَمْسَى أَيْ دَخَلَ فِي الْمَسَاءِ، وَأَصْبَحَ وَأَمْسَى هُنَا تَامَّانِ وَفِي الْإِتْيَانِ بِكُلَّمَا الْإِشَارَةُ إلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ.
[قَوْلُهُ: بِكَ] قَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِلِاخْتِصَاصِ.
[قَوْلُهُ: نُصْبِحُ إلَخْ] بِضَمِّ النُّونِ فِيهِمَا أَيْ بِك نَدْخُلُ فِي الصَّبَاحِ وَنَدْخُلُ فِي الْمَسَاءِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ انْتِشَارُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ] أَيْ خُرُوجُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِلنُّشُورِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ إحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَالْمَعْنَى: وَنُشُورُهُمْ إلَيْك أَيْ مَشْيُهُمْ إلَى جَزَائِك.
[قَوْلُهُ: وَإِلَيْك الْمَصِيرُ] أَيْ وَإِلَيْك الرُّجُوعُ بِالْمَوْتِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِيقَاظُ يُشْبِهُ حَالَةَ حَيَاةِ الْمَوْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَالَةَ نَوْمِهِمْ تُشْبِهُ حَالَةَ مَوْتِهِمْ نَاسَبَ عِنْدَهُمَا تَذَكُّرُ مَا يُشْبِهُهُمَا الْحَامِلُ عَلَى الزُّهْدِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَالرَّغْبَةِ فِي دَارِ الْقَرَارِ، وَلَيْسَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ وَالدُّعَاءُ أَوْ الذِّكْرُ الْمَطْلُوبُ عِنْدَ الصَّبَاحِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، لَكِنَّ الْأَحْسَنَ فِعْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمَسَاءِ الْأَحْسَنُ فِعْلُهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبِهِ بِيَسِيرٍ أَوْ بَعْدَهُ إلَى النَّوْمِ.
[قَوْلُهُ: أَصْحَابُ السُّنَنِ] أَيْ الْأَرْبَعَةُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى زَرُّوقٍ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَالَةِ الصَّبَاحِ قَدَّمَ الصَّبَاحَ عَلَى الْمَسَاءِ، وَفِي حَالَةِ الْمَسَاءِ قَدَّمَ الْمَسَاءَ عَلَى الصَّبَاحِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَدَّمَ الصَّبَاحَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ظُهُورَ أَثَرِ الْقُدْرَةِ فِيهِ أَظْهَرُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ أَعْظَمِ] أَيْ أَشْرَفِ [قَوْلُهُ: حَظًّا وَنَصِيبًا] هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ السَّعْدُ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ خَيْرٍ] هُوَ النَّفْعُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: تَقْسِمُهُ] أَيْ تُهَيِّئُهُ وَتُحْضِرُهُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَا الْقِسْمَةَ عَلَى التَّهْيِئَةِ وَالْحُضُورِ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ فِي الْأَزَلِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ نُورٍ] أَيْ هُدًى وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ كَذَا فِيهِ أَيْضًا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ قَوْلُهُ مِنْ نُورٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَثَرِ نُورٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ خَلْقَ الْقُدْرَةِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ قِسْمَةٌ إنَّمَا الْقِسْمَةُ تَتَعَلَّقُ