أَسْنَدْت «ظَهْرِي إلَيْك» مَعْنًى لَا حِسًّا لِتُقَوِّيَنِي وَتُعِينَنِي عَلَى مَا يَنْفَعُنِي وَتَدْفَعَ عَنِّي مَا يَضُرُّنِي «وَفَوَّضْت» أَيْ وَكَّلْت «أَمْرِي إلَيْك» تَفْعَلُ بِي مَا تُرِيدُ «وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك رَهْبَةً» أَيْ خَوْفًا «مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك» أَيْ طَمَعًا فِي رَحْمَتِك «لَا مَنْجَى» أَيْ لَا مَهْرَبَ «وَلَا مَلْجَأَ» أَيْ لَا مَرْجِعَ «مِنْك إلَّا إلَيْك أَسْتَغْفِرُك» أَيْ أَطْلُبُ مِنْك مَغْفِرَتَك وَهِيَ سَتْرُ الذُّنُوبِ «وَأَتُوبُ» أَيْ أَرْجِعُ «إلَيْك» مِنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ «آمَنْت» أَيْ صَدَّقْت «بِكِتَابِك» أَيْ الْقُرْآنُ «الَّذِي أَنْزَلْته» عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَ» آمَنْت أَيْ صَدَّقْت «بِرَسُولِك» وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ وَنَبِيِّك «الَّذِي أَرْسَلْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت» مِنْ الذُّنُوبِ «وَمَا أَخَّرْت» مِنْ التَّوْبَةِ «وَمَا أَسْرَرْت» أَيْ الَّذِي عَمِلْته سِرًّا «وَمَا أَعْلَنْت» جَهْرًا «أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ» مَعْبُودٌ «إلَّا أَنْتَ» يَا «رَبِّ قِنِي عَذَابَك» أَيْ نَجِّنِي مِنْهُ «يَوْمَ تَبْعَثُ» أَيْ تَنْشُرُ «عِبَادَك»
(وَمِمَّا رُوِيَ) فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ (عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ: «اللَّهُمَّ إنِّي
ــ
[حاشية العدوي]
الْأُمُورِ.
[قَوْلُهُ: مَعْنًى] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَعْنَوِيًّا أَوْ إسْنَادَ مَعْنًى وَلَا حَاجَةَ بِذَلِكَ إذْ يُجْعَلُ قَوْلُهُ وَأَسْنَدْت ظَهْرِي كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: وَفَوَّضْت إلَخْ] تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَهَا فَوَّضَهَا، وَإِذَا فَوَّضَهَا أَسْلَمَهَا وَالتَّكْرَارُ فِي الدُّعَاءِ مَطْلُوبٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَأَسْنَدْت ظَهْرِي إلَيْك أَيْ وَجَّهْت نَفْسِي إلَيْك إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا مَعَ قَوْلِهِ تَفْعَلُ بِي مَا تُرِيدُ مَا يُوجِبُ تَنَاقُضًا فِي الدُّعَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ الْتَفَتَ فِي قَوْلِهِ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك إلَى كَوْنِ الْمَوْلَى يَفْعَلُ بِهِ مَا بِهِ صَلَاحُهُ، وَالْتَفَتَ فِي هَذَا إلَى كَوْنِ الْمَوْلَى يَفْعَلُ بِهِ مَا يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ صَلَاحُهُ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْجَسَدِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ وَكَلْت] بِتَخْفِيفِ الْكَافِ الْمَفْتُوحَةِ [قَوْلُهُ: رَهْبَةً] مُؤَوَّلَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ رَاهِبًا وَكَذَا فِيمَا بَعْدُ أَوْ فِي حَالِ كَوْنِي ذَا رَهْبَةٍ، وَذَا خَوْفٍ يَتَعَلَّقُ بِالْعَوَامِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدَّمَ الْخَوْفَ عَلَى الرَّهْبَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْخَوْفِ فِي الصِّحَّةِ.
[قَوْلُهُ: رِفْدُك] أَيْ عَطَائُكَ.
[قَوْلُهُ: لَا مَنْجَى] أَيْ لَا مَهْرَبَ بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ.
[قَوْلُهُ: وَلَا مَلْجَأَ] بِالْهَمْزِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا مَرْجِعَ مِنْك] حَاصِلُهُ الْمَهْرَبُ، وَالْمَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَالتَّقْدِيرُ لَا هُرُوبَ وَلَا رُجُوعَ مِنْك إلَّا إلَيْك، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّنَا لَوْ هَرَبْنَا مِنْك وَرَجَعْنَا مِنْ عِنْدِك بِحَيْثُ نَظَرْنَا إلَى غَيْرِكَ نَرْجِعُ إلَيْك لِأَنَّنَا لَمْ نَجِدْ مِنْهُ إغَاثَةً.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ سِتْرُ الذُّنُوبِ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَأَتُوبُ] أَيْ فِي الْحَالِ [قَوْلُهُ: إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ] إمَّا فِعْلًا أَوْ تَرْكًا، فَالْأَوَّلُ كَمَنْ كَانَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَتَابَ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ رَجَعَ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ وَهُوَ التَّرْكُ إلَى فِعْلٍ مَحْمُودٍ وَهُوَ الْفِعْلُ، وَالثَّانِي كَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ الزِّنَا وَتَابَ مِنْهُ فَقَدْ رَجَعَ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ وَهُوَ الزِّنَا إلَى فِعْلٍ مَحْمُودٍ وَهُوَ التَّرْكُ، وَنُمْسِكُ عَنَانَ الْقَلَمِ وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: نَبِيِّك، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ وَرَسُولِك وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: وَنَبِيِّك وَرَسُولِك احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ مَنَعَ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ وَالْأَدْعِيَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ.
[قَوْلُهُ: مِنْ التَّوْبَةِ] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ فِي الْعَقِيدَةِ فَرَاجِعْهُ [قَوْلُهُ: جَهْرًا] أَيْ مَا عَمِلْته جَهْرًا أَحَالَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْغَيْرُ.
[قَوْلُهُ: مَعْبُودٌ. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إلَهَ مَعْنَاهُ مَعْبُودٌ أَيْ بِحَقٍّ، وَكَانَ الْأَوْلَى زِيَادَتَهُ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا مَعْبُودَ أَيْ مَوْجُودَ إلَّا اللَّهُ.
[قَوْلُهُ: أَنْ تَنْشُرَ عِبَادَك] أَيْ تُحْيِيَ عِبَادَك.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ الْخُرُوجِ] أَيْ فَيُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ.
[قَوْلُهُ: مِنْ الْمَنْزِلِ] لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ فُنْدُقِهِ، قَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِيمَا أَشْبَهَهُ الْمَسْجِدُ، وَظَاهِرُهُ كَانَ الْخُرُوجُ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ لِلسَّفَرِ أَشَدُّ طَلَبًا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُهُ كُلَّمَا خَرَجَ وَلَوْ تَكَرَّرَ خُرُوجُهُ لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ الدُّعَاءِ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ