مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ»
. (وَتَتَعَوَّذُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَخَافُهُ) مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَحَيَوَانٍ (وَعِنْدَمَا تَحِلُّ بِمَوْضِعٍ أَوْ تَجْلِسُ بِمَكَانٍ أَوْ تَنَامُ فِيهِ تَقُولُ: أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ) أَيْ الْقُرْآنِ (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ التَّعَوُّذِ أَنْ تَقُولَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ) أَيْ ذَاتِهِ الْكَرِيمَةُ (وَبِكَلِمَاتِهِ) أَيْ اللَّهِ (التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُحَاوِزُهُنَّ) أَيْ لَا يَبْلُغُ مَنْ تَحَصَّنَ بِهِنَّ (بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ) أَيْ مَكْرُوهُ بَرٍّ وَلَا مَكْرُوهُ فَاجِرٍ (وَ) أَعُوذُ (بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى) وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَعَانِي الْحَسَنَةِ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَشْرِيفٍ (كُلُّهَا) تَأْكِيدٌ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: (مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ) أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ) أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ (وَ) أَعُوذُ بِاَللَّهِ (مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ) كَالصَّوَاعِقِ فَتُصِيبُ أَهْلَ الْأَرْضِ (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا) أَيْ يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْبَلَاءِ وَهُوَ سَيِّئِ الْأَعْمَالِ (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ) أَيْ خَلَقَ (فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) مِمَّا لَهُ شَرٌّ
ــ
[حاشية العدوي]
الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي تت: الْخُبْثُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا.
[قَوْلُهُ: وَيَتَعَوَّذُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ] يُحْتَمَلُ عِنْدَ الْخَلَاءِ وَيُحْتَمَلُ فِي كُلِّ مَكَان.
[قَوْلُهُ: أَوْ تَجْلِسُ بِمَكَانٍ] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
[قَوْلُهُ: تَقُولُ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ] أَيْ ثَلَاثًا كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّك إنْ قُلْت ذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَلَوْ لَدَغَتْك عَقْرَبٌ أَوْ غَيْرُهَا لَمْ تَضُرَّ لَدْغَتُهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا قَالَهَا مُسَافِرٌ عِنْدَ نُزُولِهِ لَمْ يَزَلْ مَحْفُوظًا حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» ، وَمَعْنَى التَّامَّاتِ الْبَالِغَةُ الْغَايَةَ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُعْجِزُ الْبَشَرِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ مَا أَنْزَلَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمَعْنَى التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يَعْتَرِيهَا نَقْصٌ وَلَا بَاطِلٌ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْقُرْآنِ بِالْكَلِمَاتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سِرًّا عَظِيمًا.
[قَوْلُهُ: مِنْ التَّعَوُّذِ] أَيْ صِفَتِهِ الْوَارِدَةِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَبْلُغُ. . . إلَخْ] وَعِبَارَةٌ أُخْرَى لَا يَتَعَدَّاهُنَّ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
[قَوْلُهُ: بَرٌّ] الْبَرُّ الْمُحْسِنُ الْمُطْمِعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْفَاجِرُ ضِدُّهُ قَالَهُ عج، أَيْ وَوُقُوعُ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْبَرِّ مُمْكِنٌ.
[قَوْلُهُ: لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَعَانِي الْحَسَنَةِ] أَيْ لِمَا اسْتَلْزَمَتْهُ مِنْ مَعَانِي حَسَنَةٍ لَا أَنَّهَا مَعَانِيهَا الْمَدْلُولَةَ لَهَا، مَثَلًا: وَهَّابٌ مَعْنَاهُ كَثِيرُ الْهِبَةِ وَهَذَا مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى هُوَ كَثْرَةُ حَمْدِ الْحَامِدِينَ وَتَعْظِيمِ الْمُعَلِّمِينَ.
[قَوْلُهُ: أَكْثَرُ مِنْ التِّسْعَةِ] قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: لِلَّهِ أَلْفُ اسْمٍ ثَلَاثُمِائَةٍ فِي التَّوْرَاةِ وَثَلَاثُمِائَةٍ فِي الزَّبُورِ وَثَلَاثُمِائَةٍ فِي الْإِنْجِيلِ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِي الْقُرْآنِ وَوَاحِدٌ فِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ] مَعْنَاهَا الْإِيجَادُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا كُلَّهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اتِّحَادِ مَعْنَاهَا.
[قَوْلُهُ: كَالصَّوَاعِقِ] جَمْعُ صَاعِقَةٍ وَهِيَ الرَّعْدُ الَّذِي مَعَهُ نَارٌ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ مِنْ السَّمَاءِ أَيْ مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ لِيَشْمَلَ مَا نَزَلَ مِنْ تَحْتِهَا كَمَا ذُكِرَ، وَأَدْخَلْت الْكَافُ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْعَذَابِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُصِيبُهُمْ.
[قَوْلُهُ: فِي السَّمَاءِ] أَرَادَ بِهَا حَقِيقَتَهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ سَيِّئُ الْأَعْمَالِ] أَيْ السَّيِّئُ مِنْ الْأَعْمَالِ أَيْ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ مُطْلَقًا سَيِّئَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ يُعْرَجُ بِهَا إلَى الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ الْبَلَاءِ إنَّمَا هُوَ السَّيِّئُ، فَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ» وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ» قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لِاحْتِمَالِ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ فَتُعْرَضُ عَرْضًا بَعْدَ عَرْضٍ، وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ يَسْتَأْثِرُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ.
[قَوْلُهُ: وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ. . . إلَخْ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ وَنُسْخَةُ التَّحْقِيقِ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ. . . إلَخْ فَلَا الْتِفَاتَ وَيَأْتِي عَلَى كَلَامِ شَارِحِنَا الْتِفَاتٌ حَيْثُ أَتَى بِضَمِيرِ غَيْبَةٍ بَدَلَ كَافٍ الْخِطَابِ حَيْثُ قَالَ: «وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ» ، إنْ قَرَأْته بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ خَلَقَ فِي الْأَرْضِ] أَيْ خَلَقَ عَلَى وَجْهِهَا، وَقَوْلُهُ: وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَيْ مِمَّا خُلِقَ فِي بَطْنِهَا، وَقَوْلُهُ: وَأَذِيَّةٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ