وَإِذَايَةٌ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ (وَمِنْ فِتْنَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أَيْ الْفِتْنَةُ الْوَاقِعَةُ فِيهِمَا (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ) الطَّارِقُ مَا يَأْتِي بَغْتَةً (وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ) أَيْ التَّعَوُّذِ (أَيْضًا وَ) أَعُوذُ بِاَللَّهِ (مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا كُلُّ مَا اتَّصَفَ بِالدَّبِيبِ وَهُوَ الْمَشْيُ (إنَّ رَبِّي) أَيْ سَيِّدِي وَخَالِقِي (آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) وَهُوَ مُقَدِّمُ الرَّأْسِ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (إنَّ رَبِّي) أَيْ أَمْرَهُ (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا قُصُورَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ هَلْ هَذَا التَّعَوُّذُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَمْ لَا، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْأَصْلِ مَا قِيلَ فِيهِ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ) مَثَلًا (أَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ حِرْزًا لِمَنْزِلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} [الكهف: ٣٩]
(وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
[قَوْلُهُ: أَيْ الْفِتَنُ الْوَاقِعَةُ. . . إلَخْ] أَيْ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَظْرُوفِ إلَى الظَّرْفِ أَيْ الْمِحَنُ وَالِابْتِلَاءَاتُ.
[قَوْلُهُ: مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ. . . إلَخْ] أَيْ حَوَادِثُهُ الَّتِي تَأْتِي لَيْلًا.
[قَوْلُهُ: إلَّا طَارِقًا] اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، وَقَوْلُهُ: الطَّارِقُ مَا يَأْتِي بَغْتَةً أَيْ لَيْلًا هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَارِحِ الْمُوَطَّأِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تُؤْذِنُ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَتَرْجِيحُ الْعُمُومِ أَيْ أَنَّ الطَّارِقَ مَا يَأْتِي بَغْتَةً مُطْلَقًا، وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الطَّارِقَ مَا يَأْتِي بَغْتَةً فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَنُكْتَتُهُ لِكَوْنِهِ الْفَرْدَ الْأَشَقَّ وَيُمْكِنُ تَخْصِيصُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَا أَفَادَهُ ق مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ هُنَا الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ وَالِاشْتِغَالُ عَنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ، [قَوْلُهُ: يَطْرُقُ] بِضَمِّ الرَّاءِ.
[قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا هُنَا] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ذَاتُ الْحَوَافِرِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ سَيِّدِي وَخَالِقِي. . . إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى قَوْلَيْنِ فِي مَعْنَى الرَّبِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُصْلِحُ وَقِيلَ الْمَعْبُودُ وَقِيلَ الْمَالِكُ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَدِّمُ الرَّأْسِ. . . إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ النَّاصِيَةَ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْبَتُ الشَّعْرِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَيُسَمَّى الشَّعْرُ النَّابِتُ هُنَاكَ نَاصِيَةً بِاسْمِ مَنْبَتِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ] أَيْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لَا حَقِيقَةُ الِاسْتِعَارَةِ، وَبَيَانُ كَوْنِهِ مَجَازًا مُرْسَلًا أَنَّ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ يُلْزِمَانِ الْأَخْذَ بِالنَّاصِيَةِ وَلَمْ يُجْعَلْ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ النُّقُولِ أَنَّ الْقَهْرَ مُرَادِفٌ لِلْغَلَبَةِ [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ التَّصَرُّفُ، وَاسْتُعِيرَ الصِّرَاطُ لِلْحَالَةِ أَيْ أَنَّ تَصَرُّفَ رَبِّي عَلَى وَجْهٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَلَا قُصُورٌ، وَالْعَطْفُ فِيهِ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ أَوْ الْمُسَاوِي وَالْخَطْبُ سَهْلٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ هَلْ هَذَا] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ مِنْ التَّعَوُّذِ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ.
[قَوْلُهُ: وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْأَصْلِ مَا قِيلَ فِيهِ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ هَلْ هَذَا التَّعَوُّذُ حَدِيثٌ أَوْ لَا.
وَقَالَ ع: إنَّهُ حَدِيثٌ عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَتَبِعَهُ عِفْرِيتٌ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ إلَى آخِرِهِ، قُلْت: لَيْسَ كُلُّهُ حَدِيثُ الْعِفْرِيتِ بَلْ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مَرْفُوعٌ وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ أُدْخِلَ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ وَزَادَ فِيهِ بَعْضَ أَلْفَاظٍ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِسَوْقِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ فِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إذَا قُلْتهنَّ طَفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَى فَقَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» .
[قَوْلُهُ: مَنْزِلُهُ مَثَلًا] أَيْ أَوْ حَانُوتُهُ أَوْ بُسْتَانُهُ.
[قَوْلُهُ: مَا شَاءَ] أَيْ مَا شَاءَهُ يَكُونُ.
[قَوْلُهُ: بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ] أَيْ سُنَّةٌ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ يَقُولُ] أَيْ نَدْبًا.
[قَوْلُهُ: وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ] هُمْ الْمُؤْمِنُونَ إنْسًا وَجِنًّا وَمَلَكًا.
[قَوْلُهُ: جَنَّتَك] أَيْ بُسْتَانُك.
[قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَجْرٍ أَمْ لَا، وَاسْتَحَقَّ كَتْبَ الْوَثِيقَةِ إنْ خَفَّ انْتَهَى، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ مُصَلِّيًا وَلَا يُقَذِّرُهُ، وَأَمَّا مَا يُقَذِّرُهُ