وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] .
وَقَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» . وَعُمُومُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ بِالْخَمْرِ غُصَّةً أَوْ عَطَشًا عَلَى قَوْلٍ وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِوَاءِ) تَكْرَارٌ (وَالرُّقَى) جَمْعُ رُقْيَةٍ تَكُونُ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ (بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَآخَرُ الرُّقْيَةُ بِالْفَاتِحَةِ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (وَ) الْآخَرُ (بِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ) وَهُوَ الْعَرَبِيُّ الْمَفْهُومُ، رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» أَيْ لَا يَتْرُكُ وَلَا يَرْتَقِي بِالْمُبْهَمَاتِ، لَمَّا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَقَالَ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّهَا كُفْرٌ (وَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاذَةِ) وَهِيَ التَّمَائِمُ وَالتَّمَائِمُ الْحُرُوزُ الَّتِي (تُعَلَّقُ) فِي الْعُنُقِ (وَفِيهَا الْقُرْآنُ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْبَهَائِمُ بَعْدَ جَعْلِهَا فِيمَا يُكِنُّهَا
(وَإِذَا وَقَعَ الْوَبَا) بِالْهَمْزِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَالْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الطَّاعُونُ (بِأَرْضٍ) أَيْ فِي أَرْضِ قَوْمٍ (فَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ) مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
يُتَوَهَّمُ جَوَازُ التَّدَاوِي بِمَا هِيَ فِيهِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] هَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي فِي الْحَكَّةِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ خِلَافًا لِبَعْضٍ.
[قَوْلُهُ: الْخَبَائِثُ. . . إلَخْ] أَيْ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ.
[قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ عَطَشٍ لَا لِلْغُصَّةِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بِهَا الْعَطَشَ.
[قَوْلُهُ: وَآخِرُ الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ] أَيْ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا دُعَاءٌ أَيْ فَلَا يَرْقِي إلَّا بِمَا يُنَاسِبُ أَنْ يَرْقِيَ بِهِ فَقَوْلُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ فَخَرَجَ نَحْوَ آيَةِ الدَّيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
[قَوْلُهُ: الْعَرَبِيُّ] أَيْ لَا الْعَجَمِيُّ، وَقَوْلُهُ: الْمَفْهُومُ أَيْ مَعْنَاهُ، وَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ، أَيْ الْمَفْهُومُ مَعْنَاهُ الْمُحْتَوِي عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ.
[قَوْلُهُ: كَانَ يُعَوِّذُ] بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُحَصِّنُ بَعْضَ أَهْلِهِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ وَقَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيْ عَلَى مَوْضِعِ الْوَجَعِ تَفَاؤُلًا بِزَوَالِ الْوَجَعِ كَمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ.
[قَوْلُهُ: أَنْتَ الشَّافِي] بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، وَقَوْلُهُ: لَا شِفَاءَ بِالْمَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ حَاصِلٌ لَنَا أَوْ لِلْمَرِيضِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا شِفَاؤُكَ بَدَلٌ مِنْ مَوْضِعِ لَا شِفَاءَ، وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الْكَلَامُ فِي إعْرَابِهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِنَا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يَرْتَقِي] كَذَا فِيمَا رَأَيْته مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ وَالْمُنَاسِبُ وَلَا يَرْقِي؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: رَقِيته أَرْقِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى رَقْيًا عَوَّذْته بِاَللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: بِالْمُبْهَمَاتِ أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَسْمَاءُ الْمُعْجَمَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّقْيَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شُرُوطٍ كَمَا أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَنْ تَكُونَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الرُّقْيَةِ بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ وَعَقْدِ الْخَيْطِ وَاَلَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ.
[قَوْلُهُ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّهَا كُفْرٌ] أَيْ وَأَيُّ شَيْءٍ يُعْلِمُك بِمَا يَتَرَجَّاهُ مَنْ يَقُولُ لَعَلَّهَا كُفْرٌ أَيْ أَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ وَحَيْثُ إنَّ مُتَرَجِّيًا يَتَرَجَّى ذَلِكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ فَالْأَحْوَطُ الْكَفُّ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ، وَالْأَصْلُ الْمَنْعُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُبِيحُ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا جُهِلَ مَعْنَاهُ لَا تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ وَلَوْ جَرَّبَ وَصَحَّ وَكَانَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ: إنْ تَكَرَّرَ النَّفْعُ بِهِ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مُتَحَقِّقِ النَّفْعِ بِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُعْمَلُ لِحَلِّ الْمَرْبُوطِ وَتَسْكِينِ عَقْلِ الْمَصْرُوعِ.
[قَوْلُهُ: بِالْمُعَاذَةِ] بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ.
[قَوْلُهُ: وَهِيَ التَّمَائِمُ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ مُفْرَدُ التَّمَائِمِ أَيْ الَّذِي هُوَ تَمِيمَةٌ، [قَوْلُهُ: وَفِيهَا الْقُرْآنُ] أَيْ أَوْ الْكَلَامُ الطَّيِّبُ [قَوْلُهُ: بَعْدَ جَعْلِهَا فِيمَا يُكِنُّهَا] أَيْ يَسْتُرُهَا وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا كَمَا أَفَادَهُ عج. .
[قَوْلُهُ: وَأَشْهَرُ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا آخَرَ فَلْيُحَرَّرْ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الطَّاعُونُ] وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَكْثُرُ مِنْهُ الْمَوْتُ كَالسُّعَالِ وَالرِّيحِ لَا خُصُوصَ الطَّاعُونِ، وَالطَّاعُونُ بَثْرَةٌ مِنْ مَادَّةٍ سُمِّيَّةٍ وَقُرُوحٍ