للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تِلْكَ الْأَرْضِ (وَمَنْ كَانَ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (فِرَارًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَبَاءِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ لِشُغْلٍ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الطِّيَرَةِ فَقَالَ: (وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الْمُوَطَّأِ (فِي) شَأْنِ (الشُّؤْمِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِلَا هَمْزٍ وَقَدْ تُهْمَزُ سَاكِنَةً «إنْ كَانَ» لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ «فَفِي» ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ «الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» شُؤْمُ الْمَسْكَنِ سُوءُ الْجِيرَانِ، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ قِلَّةُ نَسْلِهَا وَقِيلَ سُوءُ خُلُقِهَا، وَشُؤْمُ الْفَرَسِ تَكَرُّرُ الْغَزْوِ عَلَيْهِ. «وَكَانَ» النَّبِيُّ «عَلَيْهِ» الصَّلَاةُ وَ «السَّلَامُ يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ» كَمُرَّةَ وَحَنْظَلَةَ وَحَرْبٍ كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ (وَ) كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَكَذَا قَالَ الْفَأْلُ بِالْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ فُؤُولٌ، وَفِي الصَّحِيحِ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» مِثَالُهُ إذَا خَرَجَ لِسَفَرٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَلَمْ

ــ

[حاشية العدوي]

تَحْصُلُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ مَعَ لَهَبٍ وَاسْوِدَادٍ حَوْلَهَا مِنْ وَخْزِ الْجِنِّ يَحْدُثُ مِنْهَا وَرَمٌ فِي الْغَالِبِ وَقَيْءٌ وَخَفَقَانٌ فِي الْقَلْبِ يَحْدُثُ غَالِبًا فِي الْمَوَاضِعِ الرِّخْوَةِ كَتَحْتِ الْإِبْطِ.

[قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ] أَيْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

قَالَ ك: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْقُدُومِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ أَهْلُ الْمَوْضِعِ، فَيَقُولُ: لَوْلَا قُدُومِي مَا أَصَابَنِي، وَمَنْ كَانَ قَوِيًّا فِي دِينِهِ لَا يَخَافُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ هَذَا، وَنَهَى عَنْ الْخُرُوجِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَوَالَى النَّاسُ عَلَى الْفِرَارِ فَيَضِيعُ مِنْ هُنَالِكَ مِنْ الْمَرْضَى أَوْ لِئَلَّا يَنْجُوَ فَيَتَزَلْزَلَ يَقِينُهُ هَذَا فِي أَرْضِ الْوَبَاءِ.

وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْوَخْمِ فَيُنْدَبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُزُولِيُّ خِلَافًا لَمَالِكٍ، وَالْوَخْمُ هُوَ سَبَبُ الْمَرَضِ كَالرِّيحِ الْمُتَغَيِّرِ الْمُقْتَضِي لِلْمَرَضِ، وَقَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ الْوَبَاءُ. . . إلَخْ عَامٌّ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا، وَتَخْصِيصُ تت لَهُ بِمَنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ مَمْنُوعٌ قَالَهُ عج

[قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الطِّيَرَةِ] قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ مَا هُوَ دَاخِلٌ عَلَيْهِ مِنْ الشُّؤْمِ.

[قَوْلُهُ: فِي شَأْنِ الشُّؤْمِ] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ وُصُولُ الْمَكْرُوهِ إلَى الشَّخْصِ بِسَبَبٍ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ اهـ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي غَرِيبِ الرِّسَالَةِ بِالْمَكْرُوهِ.

[قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ] أَيْ وُجُودٌ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأَرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَحْكُومَ بِهِ وَقَوْلُهُ: فَفِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَجْهُ تَخْصِيصِ الثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ مَعَ جَرْيِ هَذَا فِي كُلِّ مُتَطَيَّرٍ بِهِ مُلَازَمَتُهَا لِلْإِنْسَانِ وَأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا يُتَشَاءَمُ بِهِ، قَالَ: وَمُقْتَضَى سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا لِوُجُودِ الشُّؤْمِ فِي الثَّلَاثِ لَمَّا تَكَلَّمَ ثُمَّ عَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَيْ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا فَالْحَصْرُ فِيهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَادَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْخِلْقَةِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِمُلَازَمَتِهَا ثُمَّ أَعْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ فِيهَا الشُّؤْمَ، فَقَالَ: «الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ» هَكَذَا قَالَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ إنَّ الشُّؤْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالدَّارِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عَادَةً قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَلَا يُعْقَلُ كَوْنُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْفِيهِ ثُمَّ يُعْلِمُ بِهِ فَيَقَعُ الْجَزْمُ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ غَيْرُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَعْضَ الدُّورِ سَبَبًا فِي هَلَاكِ سَاكِنِهَا عَادِيًا وَكَذَا الْفَرَسُ وَالْمَرْأَةُ فَالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا الرَّبْطِ الْعَادِي فَنَفَاهُ ثُمَّ أَعْلَمَ بِهِ فَأَثْبَتَهُ، أَيْ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَقِدُ أَوَّلًا أَنَّ مَا حَصَلَ لِصَاحِبِ الدَّارِ مِنْ هَلَاكِهِ عِنْدَ سُكْنَاهَا أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِكَوْنِ الدَّارِ سَبَبًا عَادِيًّا.

[قَوْلُهُ: شُؤْمُ الْمَسْكَنِ. . . إلَخْ] أَيْ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا وَهَكَذَا، وَالْكَرَاهَةُ إمَّا شَرْعِيَّةٌ أَوْ عَادِيَّةٌ الشَّرْعِيَّةُ تَرْكُ الْغَزْوِ عَلَيْهَا وَالْعَادِيَّةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْأَمْثِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا مَا يَشْمَلُ قِتَالَ الْمُحَارَبِينَ وَالْبُغَاةِ، أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ، [قَوْلُهُ: كَمُرَّةَ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ صَحَابِيٌّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَكَذَا حَرْبٌ.

[قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ] لَيْسَ فِيمَا رَأَيْت مِنْ الْمُوَطَّأِ حَنْظَلَةُ بَلْ إنَّمَا فِيهَا مُرَّةُ وَحَرْبٌ لَا حَنْظَلَةُ، وَنَصَّهَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُك؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ: مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>