للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرْحَمُك اللَّهُ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ع، وَنَقَلَ ج عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ وَيَبْلُغُ بِالتَّشْمِيتِ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ الْعَاطِسُ عَلَى الثَّلَاثِ قَالَ لَهُ: إنَّك مَضْنُوكٌ» وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْمَدْ الْعَاطِسُ لَا يُشَمَّتُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ: (يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ) لَهُ (يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) وَالثَّانِي أَفْضَلُ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ

(وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) بِقِمَارٍ

ــ

[حاشية العدوي]

الْعَالَمِينَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ فِي كُلِّ حَالٍ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا مِنْ حَالَةٍ إلَّا وَهُنَاكَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فِي الْمُصِيبَةِ، وَقَوْلُهُ: حَمْدًا كَثِيرًا مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ لَا بِالْحَمْدِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَرَّرُوا وَوَجْهُهُ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ.

[قَوْلُهُ: كَثِيرًا] أَيْ شَيْئًا كَثِيرًا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَحْمُودِ بِهِ، وَقَوْلُهُ: طَيِّبًا أَيْ مِنْ حَيْثُ خُلُوصِهِ مِنْ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَقَوْلُهُ: مُبَارَكًا فِيهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ عَوْدِهِ لِصَلَاحِ الْحَالِ أَوْ بِالثَّوَابِ الْأُخْرَوِيِّ عَلَى طَرِيقِ التَّرَجِّي مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَكْرَمِ.

تَنْبِيهٌ:

فِي عِبَارَتِهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ قَائِلَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ زِيَادَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَزِيَادَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِابْنِ عُمَرَ وَحَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ لِغَيْرِهِمَا.

[قَوْلُهُ: مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ] أَيْ بِخُصُوصِ لَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ مَنْ فِي صَلَاةٍ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ قَالَ يَرْحَمُك اللَّهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا.

[قَوْلُهُ: أَوْ سَمِعَ مَنْ سَمِعَهُ] أَيْ أَوْ سَمِعَ شَخْصًا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْعَاطِسُ هُوَ الْحَامِدُ إلَّا أَنَّ الْمُشَمِّتَ تَارَةً يَسْمَعُ الْحَامِدَ وَتَارَةً لَا يَسْمَعُهُ بَلْ يَسْمَعُ شَخْصًا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ، أَيْ وَمِثْلُ سَمَاعِ الْعَاطِسِ سَمَاعُ تَشْمِيتِ النَّاسِ لَهُ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْمَعْ حَمْدَ الْعَاطِسِ فَلَا يُشَمِّتْهُ إلَّا أَنْ يَرَى تَشْمِيتَ النَّاسِ لَهُ فَيُشَمِّتَهُ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَاطِسِ، أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى الْحَمْدِ إنْ تَرَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَلَا يُشَمِّتُهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ كَمَا تَقُولُ الْعَوَامُّ.

[قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا] رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً مُتَجَالَّةً أَوْ غَيْرَهَا حَيْثُ لَا تَمِيلُ إلَيْهَا النُّفُوسُ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى الِافْتِتَانُ بِهَا فَلَا يُشَمِّتُهَا كَمَا لَا تَرُدُّ سَلَامًا، وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ: هَدَاك اللَّهُ لَا يَرْحَمُك اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُرْحَمُ إلَّا الْمُؤْمِنُ.

[قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

[قَوْلُهُ: وَيَبْلُغُ بِالتَّشْمِيتِ] بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ.

قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْك الشَّمَاتَةَ وَجَنَّبَك مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْك، وَبِالْمُهْمَلَةِ جَعَلَك اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

[قَوْلُهُ: مَضْنُوكٌ] بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ مَزْكُومٌ وَالضُّنَاكُ بِالضَّمِّ الزُّكَامُ، يُقَالُ: أَضْنَكَهُ اللَّهُ وَأَزْكَمَهُ.

قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْقِيَاسُ مُضْنَكٌ وَمُزْكَمٌ لَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى ضَنَكَ وَزَكَمَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ لِأَنَّ الزُّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَأَشَارَ إلَى الْحَثِّ عَلَى تَدَارُكِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُهْمِلُهَا فَيَعْظُمُ أَثَرُهَا وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُ حِكْمَةٌ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ إنَّك لَمَزْكُومٌ الِاعْتِذَارُ لَهُ بِذَلِكَ أَيْ عَنْ عَدَمِ تَشْمِيتِهِ.

وَقَالَ عج: يَسْقُطُ طَلَبُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَيَقُولُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: عَافَاكَ اللَّهُ إنَّك لَمَضْنُوكٌ وَلَا يَسْقُطُ طَلَبُ الْحَمْدِ عَنْ الْعَاطِسِ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ هَذَا حَيْثُ تَوَالَى الْعُطَاسُ، [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ] أَيْ وَيَنْدُبُ أَنْ يَرُدَّ الْعَاطِسَ عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: بِالْكُمِّ] قِيلَ: الْبَالُ الْحَالُ وَقِيلَ الْقَلْبُ.

[قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَفْضَلُ] وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْلَى إذْ لَا يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الذُّنُوبِ، وَصَاحِبُ الذُّنُوبِ يَحْتَاجُ لِلْمَغْفِرَةِ قَالَ: وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْمُسْلِمِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَمُنِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْإِيمَانِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ بَلْ مَعْرِفَةُ تَفَاصِيلِ أَجْزَائِهِ وَإِعَانَتُهُ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>