للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا بِغَيْرِهِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . ع: وَالنَّرْدُ قِطَعٌ تَكُونُ مِنْ الْعَاجِ أَوْ مِنْ الْبَقْسِ مُلَوَّنَةٌ يُلْعَبُ بِهَا لَيْسَ فِيهَا كَيْسٌ وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ لَعِبِهَا تُشْبِهُ اللَّعِبَ بِالْكَعْبِ فِي الْأَوْجُهِ.

(وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ اللَّعِبُ (بِالشَّطْرَنْجِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ: بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ وَأَشَرُّ (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيُبَاحُ (أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ اللُّعْبَتَيْنِ فِي غَيْرِ حَالِ اللَّعِبِ.

وَأَمَّا فِي حَالِ اللَّعِبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَعْصِيَةٍ. الْقَرَافِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: النَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ مِنْ الْمَيْسِرِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَتَى لَعِبَ عَلَى الْقِمَارِ حَرُمَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَيْسِرٌ. الْبَاجِيُّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْقِمَارِ فِيهَا تَرْكُ الشَّهَادَةِ، وَعَلَى غَيْرِ قِمَارٍ لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا أَدْمَنَ، وَالْمُدْمِنُ لَا يَخْلُو مِنْ الْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكَسِّرُهَا وَيَضْرِبُ اللَّاعِبَ بِهَا مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُسْأَلَ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ أَهْدِنَا.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ الْمَغْفِرَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ وَالْهِدَايَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الذُّنُوبِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُشَمِّتِ، تَنْبِيهٌ:

إنَّمَا كَانَ الْمُشَمِّتُ يَقُولُ: يَرْحَمُك اللَّهُ بِالْإِفْرَادِ وَالْعَاطِسُ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ بِالْجَمْعِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ أَيْضًا فَلِذَلِكَ طُلِبَ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ الْمُشَمِّتِ جَمْعٌ قَالَهُ عِجْ

[قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ] أَيْ يَحْرُمُ، [قَوْلُهُ: بِقِمَارٍ وَلَا بِغَيْرِهِ] أَرَادَ لَا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ. . . إلَخْ] بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: فَقَدْ عَصَى اللَّهَ. . . إلَخْ] لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَيَشْغَلُ الْقَلْبَ فَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِهِ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَنُوزِعَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالنَّرْدُ هُوَ الطَّاوِلَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي مِصْرَ قِيلَ: إنَّ الْأَوَائِلَ لَمَّا نَظَرُوا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَجَدُوهَا عَلَى أُسْلُوبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَجْرِي بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ فَوَضَعُوا لَهُ النَّرْدَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِهِ، وَالثَّانِي مَا يَجْرِي بِحُكْمِ السَّعْيِ وَالتَّحَيُّلِ فَوَضَعُوا لَهُ الشِّطْرَنْجَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِذَلِكَ وَتَنْهَضَ الْخَوَاطِرُ إلَى عَمَلِ مِثْلِهِ مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ، وَيُقَالُ: إنَّ وَاضِعَ النَّرْدِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ أَصْحَابِ الْجَبْرِ وَوَاضِعَ الشِّطْرَنْجِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَدَرِيَّةِ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْعَاجِ] أَيْ الَّذِي هُوَ عَظْمُ الْفِيلِ، وَمُرَادُهُ أَيْ أَوْ غَيْرُهُمَا.

[قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا كَيْسٌ] الْكَيْسُ الْفَطِنَةُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا فَطَانَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ، [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ لَعِبِهَا] أَيْ بِحَيْثُ إذَا ظَهَرَ شَيْءٌ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لَا بِالِاخْتِيَارِ أَيْ فَرَمْيُهَا قَبْلَ اللَّعِبِ يُحَصِّلُ فِكْرَةً فِيهَا بِحَيْثُ لَا تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَلِذَا قَالَ، وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ اللَّعِبِ أَيْ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ.

[قَوْلُهُ: تُشْبِهُ اللَّعِبَ بِالْكَعْبِ] أَيْ اللَّعِبَ بِكِعَابِ الضَّأْنِ فَهُوَ لُعْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ تَذْهَبُ فِيهَا الْأَمْوَالُ غَيْرَ النَّرْدِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْأَوْجُهِ] أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ أَوْجُهٌ تَقَعُ الْقِطْعَةُ عَلَيْهَا فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُنْ كَذَا، وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَكُونُ كَذَا هَذَا مَا أَرَادَ اللَّهُ بِفَهْمِهِ وَانْظُرْهُ.

[قَوْلُهُ: أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ] أَيْ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى فِكْرٍ وَتَقْدِيرٍ وَحِسَابِ التَّنَقُّلَاتِ قَبْلَ التَّنَقُّلِ بِخِلَافِ النَّرْدِ يَلْعَبُ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَحْسِبُهُ، فَلِذَا قَالَ: وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ اللَّعِبِ أَيْ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي حَالِ اللَّعِبِ. . . إلَخْ] أَيْ وَكَذَا سَائِرُ الْمَعَاصِي لَا يُسَلَّمُ عَلَى أَهْلِهَا فِي حَالِ عِصْيَانِهِمْ [قَوْلُهُ: مَتَى لَعِبَ] أَيْ الشَّطْرَنْجَ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَيْسِرٌ] أَيْ كَالْمَيْسِرِ وَالْمَيْسِرُ مِثْلُ مَسْجِدٍ قِمَارُ الْعَرَبِ بِالْأَزْلَامِ، يُقَالُ: قَامَرْته قِمَارًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ فَقَمَرْتُهُ قَمْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ غَلَبْته بِالْقِمَارِ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْقِمَارِ] أَيْ بِأَجْرٍ [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَدَمْنَ] وَالْإِدْمَانُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ.

[قَوْلُهُ: وَالْمُدْمِنُ لَا يَخْلُو. . . إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: تَسْقُطُ عِنْدَ الْإِدْمَانِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ حَرَامٌ فَإِدْمَانُهُ يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ]

<<  <  ج: ص:  >  >>