بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ جُعْلًا عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) وَهُوَ الْآخَرُ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يُخْرِجْ جُعْلًا (أَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ الْغَيْرُ الْجُعْلَ (وَإِنْ سَبَقَ) هُوَ أَيْ الرَّجُلُ خَارِجَ الْجُعْلِ (كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ثَمَّ (غَيْرُ جَاعِلِ السَّبَقِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الْجُعْلُ (وَآخَرُ) وَهُوَ مَنْ يُسَابِقُهُ فَقَطْ (فَ) إنَّهُ (إذَا سَبَقَ جَاعِلُ السَّبْقِ أَكَلَهُ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُسَابَقَةَ ك: هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَخْرَجَ السَّبْقِ لَا يَجُوزُ سَبْقُهُ أَبَدًا، فَهَذَا إذَا سَبَقَ يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ أَمْ لَا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الْأَصْلِ.
(وَجَاءَ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْحَيَّاتِ بِالْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (أَنْ تُؤْذَنَ) أَيْ تُعْلَمَ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) الِاسْتِئْذَانَ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرُ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ (فَهُوَ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ تَقُولَ: إنْ كُنْت تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْتَ مُسْلِمٌ فَلَا تَظْهَرْ لَنَا خِلَافَ الْيَوْمِ وَلَا تُؤْذِنَا، فَإِنْ ظَهَرْت لَنَا قَتَلْنَاك.
وَمَحَلُّ الِاسْتِئْذَانِ فِي غَيْرِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرِ لِمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ مَا عَلَى ظَهْرِهِ خَطَّانِ أَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَالْآخَرُ أَزْرَقُ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ الذَّنَبِ» وَقِيلَ أَزْرَقُ. (وَلَا تُؤْذَنُ) الْحَيَّاتُ (فِي الصَّحْرَاءِ) وَنَحْوِهَا كَالطُّرُقَاتِ (وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ (وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقُمَّلِ وَالْبَرَاغِيثِ) وَغَيْرِهِمَا كَالْبَقِّ وَالْبَعُوضِ (بِالنَّارِ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ مَا لَمْ يَضُرَّ لِكَثْرَتِهَا
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُتَسَابِقِينَ] لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْجُعْلَ يَكُونُ لِمَنْ سَبَقَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَخْرَجِ فِي السَّبْقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ حَضَرَ.
[قَوْلُهُ: إنَّ مَخْرَجَ السَّبَقِ] بِفَتْحِ الْبَاءِ [قَوْلُهُ: لَا يَحُوزُ] بِالْحَاءِ أَيْ لَا يَأْخُذُ سَبَقَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ.
[قَوْلُهُ: اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ] بَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَرَسَانِ لَا أَكْثَرَ فَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا سَبْقًا فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الصَّحِيحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّ السَّبْقَ لِمَنْ سَبَقَ مِنْ مَخْرَجِهِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلسَّابِقِ. .
[قَوْلُهُ: الْحَيَّاتُ] جَمْعُ حَيَّةٍ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْهَا الْهَاءُ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جِنْسٍ كَبَطَّةٍ عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ رَأَيْت حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ أَيْ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى.
[قَوْلُهُ: بِالْمَدِينَةِ] أَيْ بُيُوتِهَا أَوْ أَزِقَّتِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِ الِاسْتِئْذَانِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» الْقَرَافِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ.
[قَوْلُهُ: فِي غَيْرِهَا] أَيْ مِنْ الْعُمْرَانِ.
[قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ. . . إلَخْ] وَقِيلَ تَقُولُ: أُنْشِدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذِيَنَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: إنْ كُنْت] أَيْ أَيُّهَا الشَّخْصُ.
[قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذِي. . . إلَخْ] وَأَمَّا هُمَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْذَانُهُمَا وَيُقْتَلَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا قَالَ عج [قَوْلُهُ: الطُّفْيَتَيْنِ] بِطَاءٍ وَفَاءٍ وَيَاءٍ وَتَاءٍ الطَّاءُ مَضْمُومَةٌ تَثْنِيَةُ طُفْيَةٍ وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ أَنَّهُمَا يَخْطَفَانِ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْأَبْصَارَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ.
قَالَ الْأَبِيُّ: إمَّا لِلْفَزَعِ، أَوْ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَاصِّيَّةُ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ نَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ لَا بَيْنَ الذَّاتَيْنِ، فَالْمَعْنَى اُقْتُلُوا الْحَيَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْأَبْتَرِيَّةِ وَكَوْنِهَا ذَاتَ طُفْيَتَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَبِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِهِمَا مَعًا لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيهِمَا وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تُؤْذَنُ الْحَيَّاتُ فِي الصَّحْرَاءِ] أَيْ وَنَحْوِهَا كَالْأَوْدِيَةِ وَكُلِّ مَوْضِعٍ لَا عِمَارَةَ فِيهِ أَيْ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا إذْ الْإِذْنُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا إنَّمَا هُوَ فِي الْعُمْرَانِ.
[قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ حَيَّاتِ الصَّحْرَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِيمَا ظَهَرَ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ.
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ] أَيْ تَنْزِيهًا، [قَوْلُهُ: بِالنَّارِ] أَيْ لَا بِالشَّمْسِ أَوْ بِالْقَصْعِ وَالْفَرْكِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ] لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ حُرْمَةُ حَرْقِهَا لَا كَرَاهَتُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِيهَا الْإِيذَاءُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ مَكْرُوهٌ وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ،