للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْآبَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا مِنْ التُّرَابِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْفَرْعِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِالتَّقْوَى وَاصْطَفَاهُ بِكَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِهِ.

ثُمَّ أَتَى بِحَدِيثٍ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الْفَخْرِ بِالْآبَاءِ فَقَالَ: «وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ» مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ يَجْتَمِعُونَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ «عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ» فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ «وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ» لَا يُقَالُ لِمَنْ جَهِلَهُ جَاهِلٌ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَقَالَ: (وَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تَعَلَّمُوا) وُجُوبًا (مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا كُلُّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ فَقَطْ (وَقَالَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْرَهُ) قِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ) فِيمَا (قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ) مِثْلُ أَنْ يَعُدَّ أَجْدَادَهُ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكُفَّارَ.

وَقَوْلُهُ: «وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّ مَا رَأَى» تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ع: أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى وَيَحْرُمُ (أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا) ق: يَعْنِي الرَّائِيَ

ــ

[حاشية العدوي]

قَالَهُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ، وَبِالْغَيْنِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ التَّنَاهِي فِي الْجَهَالَةِ، وَوَجْهُ الْأَخْذِ أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ وَنَشَأَ مِنْ الْجَهْلِ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَخْذِ.

[قَوْلُهُ: التَّكَبُّرُ] أَرَادَ بِهِ الِاتِّصَافَ أَيْ الِاتِّصَافَ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ إظْهَارُ الْعَظَمَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَرُؤْيَةُ الْغَيْرِ أَنَّهُ حَقِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ عَبَّرَ فِي التَّحْقِيقِ بِالتَّلَبُّسِ بَدَلَ التَّكَبُّرِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[قَوْلُهُ: مِنْ الْكِبْرِ] بَيَانٌ لِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] كَالْعُجْبِ.

[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ] أَيْ وَيَفْتَخِرُ [قَوْلُهُ: بِكَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِهِ] أَيْ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ التَّفَاخُرِ لِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ وَالتَّحَاقُدِ.

[قَوْلُهُ: فِي رَجُلٍ] أَيْ فِي شَأْنِ رَجُلٍ [قَوْلُهُ: عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ.

[قَوْلُهُ: وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ] أَيْ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ الذَّمُّ وَالْإِثْمُ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي.

[قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَحْقِيرٌ فِي ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: تَعَلَّمُوا] أَيْ لِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ فَوَسِيلَتُهُ كَذَلِكَ قَالَهُ ج، وَقَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَنْسَابِهِ إلَى مُنْتَهَى أَجْدَادِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثَةِ أَجْدَادٍ وَنَحْوِهَا اهـ.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ] وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلِذَلِكَ عَطَّلَ تت بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِ الشِّرْكِ وَالِافْتِخَارِ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفَخْرَ بِالدِّينِ لَا بِالْكُفْرِ.

[قَوْلُهُ: أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ. . . إلَخْ] هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَعَلَّمُ مِنْ نَسَبِهِ شَيْئًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى جَدٍّ كَافِرٍ أَمْسَكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدٌّ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْهُ شَيْئًا، تَنْبِيهٌ:

فَضْلُ الْعَالِمِ يَفُوقُ فَضْلَ النَّسَبِ فَالْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّرِيفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِسَالَةٍ لَهُ.

[قَوْلُهُ: فِي النِّسْبَةِ] أَيْ الِانْتِسَابُ [قَوْلُهُ: فِي] بِمَعْنَى اللَّامِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْآبَاءِ] بَيَانٌ لِمَا.

[قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَعُدَّ] ، كَذَا فِي التَّحْقِيقِ التَّعْبِيرُ بِمِثْلِ كَمَا هُنَا وَإِذَا كَانَ الْحَالُ فَقَوْلُهُ: حَتَّى. . . إلَخْ مَا بَعْدَهَا دَاخِلٌ لَا أَنَّهَا بِمَعْنَى إلَى

[قَوْلُهُ: الصَّالِحَةُ] أَيْ الْحَسَنَةُ.

[قَوْلُهُ: فَلْيَتْفُلْ] أَيْ أَوْ يَنْفُثْ أَوْ يَبْزُقْ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ.

[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَرَّرَهُ إشَارَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>