وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦] وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِهَا يُفَسِّرُهَا وَهُوَ الْعَالِمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَفِرَاسَةٌ (وَلَا يَعْبُرُهَا) أَيْ الرُّؤْيَا الْمُعَبِّرُ (عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ) وَهَذَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَغَرَرٌ بِالرَّائِي فَيَنْبَغِي إنْ ظَهَرَ لَهُ خَيْرٌ ذَكَرَهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَكْرُوهٌ يَقُولُ خَيْرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَصْمُتُ
(وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَمُّ أَحَدٍ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنْشِدْ وَمَعَك رُوحُ الْقُدُسِ» . (وَمَا خَفَّ مِنْ) إنْشَادِ (الشِّعْرِ) وَنَظْمِهِ (فَهُوَ أَحْسَنُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ (وَ) لَا (مِنْ الشُّغْلِ بِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ بَطَالَةٌ وَاشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْأَوْلَى،
ثُمَّ بَيَّنَ مَا هُوَ أَوْلَى بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَقَالَ: (وَأَوْلَى) بِمَعْنَى وَأَوْجَبُ (الْعُلُومِ وَأَفْضَلُهَا وَأَقْرَبُهَا) أَيْ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا (إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِلْمُ
ــ
[حاشية العدوي]
رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَ ذِكْرَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ.
[قَوْلُهُ: وَلَا تَقْفُ] أَيْ لَا تَتْبَعْ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَالِمُ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْبِيرُهَا بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ كَمَا يَقَعُ الْآنَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَأَوْصَافِ الرَّائِينَ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ بِأَنَّهُ رَأَى نَفْسَهُ أَذَّنَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ: تَسْرِقُ وَتُقْطَعُ يَدُك وَسَأَلَهُ آخَرُ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَهُ: تَحُجُّ فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فَسَّرَهُ لَهُ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْت هَذَا سُمَيَّتُهُ حَسَنَةٌ وَالْآخَرُ سُمَيَّتُهُ قَبِيحَةٌ وَلَا تَخْرُجُ الرُّؤْيَةُ عَنْ مَعْنَاهَا وَلَوْ فُسِّرَتْ بِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَخْرُجُ عَلَى مَا عُبِّرَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَسَّرَهَا بِمَعْنَاهَا أَوْ بِغَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: بِالْكِتَابِ] أَيْ بِمَدْلُولِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالسُّنَّةِ [قَوْلُهُ: وَكَلَامِ الْعَرَبِ] أَيْ بِمَعَانِي كَلَامِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ.
[قَوْلُهُ: وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ. . . إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثَبَتَ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ " وَصَلَاحِ " عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
[قَوْلُهُ: وَفِرَاسَةٌ] ضَبَطَهَا جَمْعٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَبَطَهَا بَعْضُ مُحَقِّقِي الْعَجَمِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفُسِّرَتْ بِتَفَاسِيرَ فَقِيلَ سَوَاطِعُ أَنْوَارٍ تَلْمَعُ فِي الْقَلْبِ يُدْرِكُ بِهَا الْمَعَانِيَ، وَقِيلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ وَقِيلَ: ظِلٌّ صَائِبٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ] لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ قَالَهُ تت، أَيْ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ شِعْرَ غَيْرِهِ وَأَمَّا إنْشَاؤُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
وَلَوْلَا الشِّعْرُ بِالْعُلَمَاءِ يُزْرِي ... لَكُنْت الْيَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إنْشَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ تت.
[قَوْلُهُ: لِحَسَّانَ] هُوَ ابْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عُمَرَ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً نِصْفُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنِصْفُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَكَذَا عَاشَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ.
[قَوْلُهُ: أَنْشِدْ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنْشِدْ الشِّعْرَ إنْشَادًا، [قَوْلُهُ: وَمَعَك. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمُدُّهُ بِأَبْلَغِ جَوَابٍ وَإِلْهَامِهِ لِإِصَابَةِ الصَّوَابِ وَإِنْطَاقِهِ بِمَا هُوَ أَلْيَقُ بِالْمَقَامِ.
[قَوْلُهُ: رُوحُ الْقُدْسِ] بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِهَا جِبْرِيلُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ بِمَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ فَهُوَ كَالْمُبْدِئِ لِحَيَاةِ الْقَلْبِ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ مُبْدِئَةٌ لِحَيَاةِ الْجَسَدِ وَأُضِيفَ إلَى الْقُدْسِ لِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ عَنْ الْعُيُوبِ.
[قَوْلُهُ: وَنَظْمِهِ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إنْشَادَ الشِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ شِعْرِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ: وَنَظْمِهِ أَيْ إنْشَاءِ شِعْرٍ مِنْ نَفْسِهِ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ أَحْسَنُ] أَيْ مِنْ كَثْرَتِهِ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ الشُّغْلِ بِهِ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ بَطَالَةٌ] أَيْ بَطَالَةٌ مِمَّا كَانَ أَوْلَى وَاشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْأَوْلَى زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ بَلْ بِالْمَكْرُوهِ أَيْ لِقِلَّةِ سَلَامَةِ فَاعِلِهِ مِنْ التَّجَاوُزِ لِأَنَّ غَالِبَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُبَالَغَاتٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الشَّوَاهِدِ وَالْأَمْثَالِ لِأَجْلِ التَّأْلِيفِ وَالتَّدْرِيسِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَحْفَظَ النَّاسِ لِلشَّوَاهِدِ وَالْمُثُلِ
[قَوْلُهُ: وَأَوْجَبُ الْعُلُومِ] أَيْ الْأَشَدُّ تَأَكُّدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالِ، وَقَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهَا أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالِ لِيُنَاسِبَ الطَّرَفَيْنِ: الْأَوَّلَ وَهَذَا الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَأَقْرَبُهَا وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ تَرْجِعُ لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَقْرَبُ وَأَنَّ