دِينِهِ) وَهُوَ عِلْمُ الْعَقَائِدِ (وَ) عِلْمُ (شَرَائِعِهِ) وَهُوَ عِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (مِمَّا أَمَرَ) اللَّهُ (بِهِ) مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (وَنَهَى عَنْهُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.
وَقَوْلُهُ: (وَدَعَا إلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ (فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: (وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي فَهْمِ دِينِ اللَّهِ وَعِلْمِ شَرَائِعِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالْفَهْمُ فِيهِ) وَقَوْلُهُ: (وَالتَّهَمُّمُ) أَيْ الِاهْتِمَامُ (بِرِعَايَتِهِ) أَيْ بِحِفْظِهِ (وَالْعَمَلُ بِهِ) مَعْطُوفَانِ عَلَى قَوْلِهِ: عِلْمُ دِينِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ. ثُمَّ عَقَّبَ أَفْضَلَ الْعُلُومِ بِبَيَانِ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ: (وَالْعِلْمُ) أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ (أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ) لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مَعَاجِيمِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُفَاضَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ مَا عَدَا مَا ذُكِرَ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مَعَ أَنَّ مُفَادَ مَا قَبْلَهُ التَّقَرُّبُ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ عِلْمُ الْعَقَائِدِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: عِلْمُ دِينِهِ أَيْ فَأَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمُضَافِ فَنَّ التَّوْحِيدِ، وَأَرَادَ بِالدِّينِ أَحْكَامًا خَاصَّةً وَهِيَ الْعَقَائِدُ أَيْ النِّسَبُ الْمُعْتَقَدَةُ أَيْ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْفَنِّ.
[قَوْلُهُ: وَعِلْمُ شَرَائِعِهِ] أَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمُضَافِ فَنَّ الْفِقْهِ، وَأَرَادَ بِالشَّرَائِعِ النِّسَبَ التَّامَّةَ الْجُزْئِيَّةَ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الَّذِي هُوَ النِّسَبُ الْكُلِّيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْمَعَانِي.
[قَوْلُهُ: عِلْمُ الْحَلَالِ] أَيْ الْعِلْمُ الْمَنْسُوبُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبَيَّنُ فِيهِ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ أَوْ هَذَا وَاجِبٌ وَهَذَا مَنْدُوبٌ وَهَكَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ.
[قَوْلُهُ: مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَعِلْمُ شَرَائِعِهِ أَيْ عِلْمُ شَرَائِعِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ أَيْ مِنْ مُفِيدِ وَصْفِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ بِوَصْفِ الْوُجُوبِ وَبِوَصْفِ النَّدْبِ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ لَيْسَتْ نَفْسَ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ.
[قَوْلُهُ: وَالْمَكْرُوهَاتُ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ وَالْمُبَاحَاتُ [قَوْلُهُ: وَحَضَّ عَلَيْهِ] أَيْ حَثَّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: تَكْرَارٌ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ عَيْنُ قَوْلِهِ وَدَعَا إلَيْهِ فَهُمَا رَاجِعَانِ لِلْمَأْمُورِ.
[قَوْلُهُ: وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ] أَيْ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ السُّنَّةِ.
[قَوْلُهُ: أَيْ فِي فَهْمِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي عِلْمِ دِينِ اللَّهِ. . . إلَخْ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ عِلْمٌ بِمَعْنَى مَعْلُومٍ لَا بِمَعْنَى الْفَهْمِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ. . . إلَخْ أَيْ الْحَالُ أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ. . . إلَخْ، [قَوْلُهُ: الِاهْتِمَامُ] تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمُرَادِفِهِ الْأَوْضَحِ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: أَيْ يَحْفَظُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرِّعَايَةَ الْمُفَسَّرَةَ بِالْحِفْظِ تَجْمَعُ فَهْمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ فَفِي الْكَلَامِ إطْنَابٌ.
[قَوْلُهُ: مَعْطُوفَانِ. . . إلَخْ] الْمَعْطُوفُ الْأَوَّلُ هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: وَالْفِقْهُ وَالْفَهْمُ، وَالْمَعْطُوفُ الثَّانِي هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ وَالتَّهَمُّمُ وَالْعَمَلُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّسَامُحِ لِأَنَّ أَوْجَبَ الْعُلُومِ وَأَفْضَلَهَا وَأَقْرَبَهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْعِلْمِ يُفِيدُ أَنَّ الْفَهْمَ وَالِاهْتِمَامَ وَالْعَمَلَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ الْمَعْلُومَاتُ أَيْ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ الْأَوَّلَ وَبَعْضَ الثَّانِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالطَّرَفَيْنِ أَعْنِي عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ.
وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّرَفِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ عِلْمُ الشَّرَائِعِ وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ وَأَقْرَبِيَّتِهِمْ وَأَحَبِّيَتَهُمَا إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ فَهْمِهِمَا وَحِفْظِهِمَا وَالْعَمَلِ بِهِمَا الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ تَعْلِيمُهُمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَعْطُوفَانِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ.
[قَوْلُهُ: أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ] الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَوْجَبَ وَأَفْضَلَ وَأَقْرَبَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعَى أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمَلُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُدَّعِي مِنْ التَّعَالِيلِ لَا خُصُوصَ الطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ] مُفَادُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالُ وَمِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ ثُمَّ إنَّ قَضِيَّةَ هَذَا التَّفْضِيلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِلَا عَمَلٍ فِيهِ فَضْلٌ وَقُرْبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ حُرْمَةِ الْأُمُورِ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا.
[قَوْلُهُ: أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ] أَيْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَرَادَ بِهِ عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ.
[قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ