للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ كِلَاهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا لَوْ عَلَيْهِ نَقْتَصِرُ: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ أَشْهَرُ مِنْ الْغُسْلِ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلِذَا «أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ حِينَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أُفٍّ لَك، وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» .

ثُمَّ أَشَارَ إلَى خَاتِمَةِ السُّنَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ الْإِحْدَاثِ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مِنْ عِرْقِ فَمِهِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، (فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ) إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ إتْيَانُهُ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ أَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ.

(وَ)

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَيْضَةِ مَا تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ وَتَأَخَّرَهَا طُهْرٌ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ الْحَيْضُ مُطْلَقًا تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ أَوْ لَا تَأَخَّرَهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إفَادَةِ الْحُكْمِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَجِبُ إلَخْ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ: يُحْتَمَلُ التَّشْبِيهُ فِي الْحُكْمِ اهـ.

أَيْ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَعْلُومُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَحُكْمِ هَذَا أَيْ نَظِيرِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْغُسْلُ مِنْ طُهْرِ الْحَيْضَةِ مُشَبَّهًا بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ] فِي إيرَادِ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُصَنِّفُ نَاقِلٌ لَا قَائِسٌ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ إلَخْ] الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَالْحَيْضِ فَلَا مُوجِبَ لِقِيَاسِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَيْضِ إذَا عَلِمْت مَا قَرَرْنَاهُ لَك فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ قِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَارِدٌ عَنْ الْإِمَامِ فَلِمَ شَبَّهَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا إلَخْ] نَذْكُرُ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَنَقُولُ الثَّانِي: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْغُسْلَ مِنْ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ بِالسُّنَّةِ الثَّالِثُ أَنَّ الْحَيْضَ أَقْوَى مِنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْجَنَابَةُ لَا تَمْنَعُ إلَّا بَعْضَهَا [قَوْلُهُ: أُمُّ سُلَيْمٍ] هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا فَقِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أُفٍّ لَك] كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِنْكَارُ، وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ، وَفِي أُفٍّ عَشْرُ لُغَاتٍ أُفِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ، وَالسَّابِعَةُ إفَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَالثَّامِنَةُ أُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالتَّاسِعَةُ أُفِّي بِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِالْيَاءِ وَأُفِّهْ اهـ.

[قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْمَرْأَةُ] الْكَافُ مَكْسُورَةٌ لِأَنَّهَا لِخِطَابِ الْمُؤَنَّثِ [قَوْلُهُ: تَرِبَتْ يَمِينُك] أَيْ الْتَصَقَتْ بِالتُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ افْتِقَارِهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءَ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ.

وَقَالَ بَعْضٌ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى الْحَاجَةَ خَيْرًا لَهَا، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ] أَيْ أَنَّ شَبَهَ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهَا وَمِنْ مَاءِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ أَنَّهَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَيُقَالُ شَبَهُ وَشِبْهُ لُغَتَانِ إحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ وَهُوَ الدَّمُ السَّائِلُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: فَمِهِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ] قَالَ النَّوَوِيُّ: فَمُهُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ، وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ اهـ.

وَذَكَرَ فِي الْمِصْبَاحِ فِيهِ لُغَةً أُخْرَى بِالرَّاءِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُقَالُ: اللَّامُ هِيَ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ كَثِيرٌ عَلَى إيرَادِهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ] وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ إهْمَالَهَا [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ] أَيْ فِي الزَّمَنِ الزَّائِدِ عَلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِظْهَارِ، وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنَافٍ حَيْثُ حَكَمَ أَوَّلًا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَحَكَمَ ثَانِيًا بِاسْتِحْبَابِهِ أَصْلَحَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>