ابْنَ الْقَاسِمِ مَالَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (مَكَانَهَا) أَنَّهَا إذَا رَأَتْ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ يُحْكَمُ لَهَا سَاعَتَئِذٍ بِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ فَلَا تَنْتَظِرُ الْعَلَامَةَ الثَّانِيَةَ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ بِقَوْلِهِ: (رَأَتْهُ) أَيْ الطُّهْرَ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ تَطَهَّرَتْ (بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ) بَعْدَ (يَوْمَيْنِ أَوْ) بَعْدَ (سَاعَةٍ ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا) بَعْدَ أَنْ رَأَتْ الطُّهْرَ (دَمٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ دَفْعَةً (أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً) بِضَمِّ الصَّادِ شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ، وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ وَالضَّعِيفَةِ (أَوْ) رَأَتْ (كُدْرَةً) بِضَمِّ الْكَافِّ شَيْءٌ كَدِرٌ لَيْسَ عَلَى أَلْوَانِ الدِّمَاءِ (تَرَكَتْ الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَيْضٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
إنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْتَظِرُهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوَّلًا قُلْت: هِيَ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهَا عَادَةٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْجُفُوفَ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: فَإِيرَادُ الْبَاجِيِّ صَحِيحٌ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِ الْقَصَّةِ أَبْلَغَ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِهَا وَلَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مَذْهَبِهِ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُفُوفَ أَبْلَغُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهُرَتْ وَلَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ مَعَ كَوْنِهَا أَبْلَغَ أَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهَا عَادَةٌ لِجَوَازِ أَلَّا يَكُونَ لَهَا قَصَّةٌ فَلَا تَتْرُكُ الْمُحَقِّقَ لِلشُّكُوكِ وَالْمُعْتَمَدُ، نَقْلُ الْمَازِرِيِّ وَالْبَاجِيِّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ خَلَفٍ الْبَاجِيُّ مَاتَ بِجُدَّةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ بَاجَةَ بِالْأَنْدَلُسِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهَا إذَا رَأَتْ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَكَانَهَا رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي رُؤْيَةَ الْقَصَّةِ وَرُؤْيَةَ الْجُفُوفِ، فَهُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي أَوْ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهِ بِالْأُولَى فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ أَقُولُ هَذَا الْحِلُّ يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَيُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنْ يُقَالَ: إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهَّرَتْ مَكَانَهَا أَيْ إذَا اعْتَادَتْهُ فَقَطْ كَمَا إذَا اعْتَادَتْهُمَا أَوْ الْقَصَّةَ فَقَطْ، وَضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ أَوْ طَلَبَ زَوْجُهَا مُوَاقَعَتَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
[قَوْلُهُ: سَاعَتَئِذٍ] أَيْ إذَا رَأَتْ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ سَاعَةَ هِيَ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ
[قَوْلُهُ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ فَلَهُ أَقَلُّ وَهُوَ الدُّفْعَةُ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَيَنْعَكِسُ فَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلَهُ حَدٌّ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
[قَوْلُهُ: أَيْ الطُّهْرَ إلَخْ] فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مُتَقَدِّمٍ مَعْنًى عَلَى حَدِّ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] [قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ] يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ السَّاعَةُ الْفَلَكِيَّةُ فَتَكُونُ أَوْ مَانِعَةَ جَمْعٍ، تُجَوِّزُ الْخُلُوَّ فِي نِصْفِ السَّاعَةِ مَثَلًا، وَعَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الطُّهْرِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ السَّاعَةَ الزَّمَانِيَّةَ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ دُفْعَةً] بِضَمِّ الدَّالِ الدُّفْقَةُ وَبِفَتْحِ الدَّالِ الْمَرَّةُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، فَتَحْسُبُ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ حَيْضٍ، فَإِذَا تَمَّتْ عَادَتُهَا وَاسْتِظْهَارُهَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي كُلَّمَا انْقَطَعَ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الدُّفْعَةَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ لَا أَثَرَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ، وَلَهَا أَثَرَ مِنْ حَيْثُ الْعَدُّ لِعَادَتِهَا وَاسْتِظْهَارِهَا.
[قَوْلُهُ: شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ] هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ الصُّفْرَةُ دَمٌ أَصْفَرُ مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ اللَّحْمُ، وَالْكُدْرَةُ دَمٌ أَصْفَرُ خَاثِرٌ اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ: تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ أَنَّهُ وَجْهُ الشَّبَهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الصَّدِيدَ لَوْنُهُ الصُّفْرَةُ، وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَ الْفِيشِيِّ عَلَى الْعِزِّيَّةِ إنَّ الصَّدِيدَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ مُخْتَلِطٌ بِدَمٍ، وَكَذَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ لَوْنَ الصَّدِيدِ الْبَيَاضُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالصَّدِيدِ بِالنَّظَرِ لِحَالَتِهِ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَبْيَضَ الْمُخْتَلِطَ بِالدَّمِ يَنْقَلِبُ لَوْنُهُ لِلصُّفْرَةِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ] إنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ الْمُفِيدُ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ دَمٌ أَصْفَرُ، فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةُ عَنْ دَمٍ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ أَصْفَرَ فَقَدْ أَتَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ، قُلْت: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ لَعَلَّهُ أَرَادَ نَوْعًا مِنْ الدِّمَاءِ وَهُوَ الْأَحْمَرُ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَيْضٌ] أَيْ فَالْحَيْضُ لَهُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ حَيْضًا إذَا أَتَاهَا قَبْلَ طُهْرٍ تَامٍّ وَكَانَ انْقِطَاعُهُ أَوَّلًا قَبْلَ تَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ