التَّسْوِيَةُ بَيْنَ بَابَيْ الْعِدَّةِ وَالْعِبَادَاتِ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلَّ الْحَيْضِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَتَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصَّ الْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ التَّحْدِيدُ وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ إلَى مَا يَقُولُ النِّسَاءُ أَنَّهُ حَيْضٌ.
(ثُمَّ إذَا انْقَطَعَ) الدَّمُ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ الطُّهْرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ بِسَاعَةٍ (اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) وَلَا تَنْتَظِرُ هَلْ يَأْتِيهَا دَمٌ آخَرُ أَمْ لَا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُلَفِّقَةِ وَهِيَ الَّتِي تَقَطَّعَ طُهْرُهَا أَيْ تَخَلَّلَهُ دَمٌ فَصَارَتْ تَحِيضُ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ. بَهْرَامُ: تَقَطَّعَ تَخَلَّلَهُ دَمٌ ضَمَّتْ أَيَّامَ الدَّمِ
ــ
[حاشية العدوي]
بَعْدَهَا وَقَبْلَ الِاسْتِظْهَارِ أَوْ قَبْلَ تَمَامِهِ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّةُ الِاسْتِظْهَارِ فَتَكُونَ اسْتِحَاضَةً، وَأَمَّا إذَا أَتَى بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ، وَكَانَ انْقِطَاعُهُ بَعْدَ مَا تَمَادَى بِهَا عَادَتُهَا وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ اسْتِحَاضَةً [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ التَّسْوِيَةُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا بَابُ الْعِبَادَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ [قَوْلُهُ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الرَّاجِحُ.
[قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ] أَيْ وَمُتَعَلِّقُ تَأْوِيلٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَيْ لِلْمُدَوَّنَةِ فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ [قَوْلُهُ: التَّحْدِيدُ] أَيْ بِأَنَّهُ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ [قَوْلُهُ: وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ] أَيْ وَالِاعْتِمَادُ فِي حُكْمِنَا بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ إنَّهُ حَيْضٌ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ إنَّهُ يُرْجَعُ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَيْ هَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ يَوْمًا مَثَلًا أَوْ يُكْتَفَى بِبَعْضِ يَوْمٍ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى السَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَمِثْلُهُ الْيَوْمَانِ، ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّ مِثْلَ ذَلِكَ حَيْضٌ أَجْزَأَتْهَا، وَإِنَّمَا رُجِعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ لِلنِّسَاءِ لِاخْتِلَافِ الْحَيْضِ فِي النِّسَاءِ بِالنَّظَرِ لِلْبُلْدَانِ، فَقَدْ تَعُدُّ الْعَارِفَاتُ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَيْنِ حَيْضًا بِاعْتِبَارِ بَلَدِهِنَّ، وَقَدْ تَعُدُّ عَارِفَاتٌ أُخَرُ أَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ حَيْضًا بِاعْتِبَارِ بَلَدِهِنَّ، وَظَهَرَ مِنْ تَقْرِيرِنَا هَذَا أَنَّ الْيَوْمَيْنِ كَالْيَوْمِ فِي الرُّجُوعِ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ قَالَتْ النِّسَاءُ إنْ، مِثْلُ ذَلِكَ حَيْضَةٌ أَجْزَأَتْهَا اهـ.
وَيَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى يَوْمَيْنِ حَيْضٌ قَطْعًا وَلَا يُرْجَعُ فِيهِ لِلنِّسَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيمَا ذُكِرَ جَهَالَةً فِي الْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّحْدِيدُ أَيْ تَحْدِيدٌ مَنْظُورٌ فِيهِ لِقَوْلِ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ تَحْدِيدٌ مُعَيَّنٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَاوَزُ، أَوْ تَحْدِيدٌ شَرْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ فَلَكِيَّةٍ وَهُوَ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَتَدَبَّرْ.
تَنْبِيهٌ قَالَ سَنَدٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ بَابِ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالدُّفْعَةِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ احْتِيَاطٌ لِلْأَنْسَابِ وَإِبَاحَةٌ لِلْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَشُدِّدَ فِيهَا احْتِيَاطًا، وَالْأَنْسَابُ وَالْفَرْجُ آكِدٌ مِنْ الْعِبَادَةِ لِاجْتِمَاعِ حَقِّ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَخْ] ظَرْفٌ لِلطُّهْرِ أَيْ طُهْرٌ غَيْرُ تَامٍّ، فَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَالسَّاعَةُ هُنَا ظَرْفٌ لِلطُّهْرِ بِخِلَافِهِمَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا فَهُمَا ظَرْفَانِ لِلْحَيْضِ [قَوْلُهُ: اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ] إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَقْتَ الصَّلَاةِ بَلْ بَعْدَهُ أَوْ شَكَتْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَتْ بِعَوْدِهِ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ الضَّرُورِيَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا غُسْلٌ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فِي هَذَا الْفَرْضِ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا وَصَلَّتْ، وَلَمْ يَأْتِهَا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَهَلْ تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِكَشْفِ الْغَيْبِ أَنَّهَا صَلَّتْهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ أَمْ لَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا صَلَّتْهَا وَهِيَ حَائِضٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ جَزَمَتْ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ تَرَدَّدَتْ لَمْ تَعْتَدَّ بِهَا كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: فَصَارَتْ تَحِيضُ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّلْفِيقَ ثَابِتٌ لَهَا وَلَوْ بِمَجِيءِ الْحَيْضِ مَرَّةً قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ، وَلَمْ تَكُنْ صَيْرُورَةٌ إذْ ذَاكَ [قَوْلُهُ: الْفَاصِلِ] صِفَةٌ لِلتَّمَامِ أَيْ الْفَاصِلِ فَصْلًا مُعْتَدًّا بِهِ [قَوْلُهُ: عَلَى تَفْصِيلِهَا] أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مُعْتَادَةً أَوْ مُبْتَدِئَةً [قَوْلُهُ: وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ] أَيْ فِي أَيَّامِ التَّلْفِيقِ [قَوْلُهُ: ضَمَّتْ أَيَّامَ الدَّمِ] تَفْسِيرٌ لِلَفَّقْت [قَوْلُهُ: فَإِنْ حَصَلَ مِنْهَا إلَخْ] تَوْضِيحُهُ أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَتُلَفِّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute