بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ دَاخِلِهِ، وَانْظُرْ هَلْ الطَّلَبُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ) لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِلْمَنْعِ، بَعْضُ شُيُوخِ شَيْخِنَا لَمْ أَقِفْ لَهُمْ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ فَلَيْسَ مُتَّبِعًا لِسُنَّتِنَا.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ، وَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَا اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَخْرُجُ آخِرُهُنَّ نَقِيًّا) وَفِي نُسْخَةٍ نَقِيَّةً (أَجْزَأَهُ) بِهَمْزَةٍ أَيْ كَفَاهُ ذَلِكَ، أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ يُجْزِئُ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهَا أَنَّ غَيْرَ الْحَجَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُؤْذٍ لَيْسَ مَطْعُومًا قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ تُدْخِلَ إصْبَعَهَا فِي قُبُلِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، إذْ هُوَ كَالْمُسَاحَقَةِ بَلْ الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ دُبُرَهَا كَالرَّجُلِ وَتَغْسِلُ مَا يَظْهَرُ مِنْ قُبُلِهَا حَالَ جُلُوسِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَغَسْلِ اللَّوْحِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا غَسَلَتْ مَا دُونَ الْعُذْرَةِ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَالْعُذْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ بَكَارَتُهَا.
[قَوْلُهُ: هَلْ الطَّلَبُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ النَّهْيُ.
[قَوْلُهُ: لِلْكَرَاهَةِ أَوْ الْمَنْعِ] الَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ [قَوْلُهُ: شَيْخُنَا] هُوَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ فَإِنَّهُ شَيْخُهُ وَشَيْخُ تت.
تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِطَهَارَةِ الرِّيحِ، [قَوْلُهُ: عَيْنِ الْحُكْمِ] أَيْ هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوْ الْحُرْمَةُ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي النَّهْيِ الْمُحْتَمَلِ لَهُمَا [قَوْلُهُ: أَيْ لَيْسَ مُتَّبِعًا إلَخْ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنَّا أَنَّهُ كَافِرٌ خَرَجَ عَنْ مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَافِرًا
[قَوْلُهُ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إلَخْ] فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّذْكِيرِ وَآخِرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى التَّأْنِيثِ، الثَّانِي أَنَّ فِيهِ جَمْعَ مَا لَا يَعْقِلُ بِالْهَاءِ وَالنُّونِ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ، بِأَنَّهُ إنَّمَا أَنَّثَ آخِرَهُنَّ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ الْأَحْجَارِ بِالْجَمَاعَةِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتَأَمَّلْهُ.
[قَوْلُهُ: نَقِيًّا إلَخْ] رَاعَى لَفْظَ آخِرُ؛ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ إلَخْ] وَجْهُهَا أَنَّ لَفْظَ آخِرُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ بِإِضَافَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْجَمَاعَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ.
[قَوْلُهُ: بِهَمْزَةٍ] أَيْ وَأَمَّا جَزَى عَنْهُ بِلَا هَمْزَةٍ فَمَعْنَاهُ قُضِيَ عَنْهُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْحَجَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ] وَهُوَ قَوْلٌ مِنْ الْمَذْهَبِ، [قَوْلُهُ: بِكُلِّ جَامِدٍ] أَيْ لَا مُبْتَلَّ لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ وَأَحْرَى الْمَائِعُ فَإِذَا اسْتَجْمَرَ بِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْمَحَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ، وَإِنْ صَلَّى عَامِدًا قَبْلَ غَسْلِهِ أَعَادَ أَبَدًا.
[قَوْلُهُ: طَاهِرٍ] احْتِرَازًا مِنْ النَّجِسِ وَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْمُبْتَلِّ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا يُقَالُ فِي النَّجِسِ، [قَوْلُهُ: غَيْرِ مُؤْذٍ] احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَدَّدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، حَيْثُ حَصَلَتْ لَهُ مِنْهُ أَذِيَّةٌ شَدِيدَةٌ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مَطْعُونًا] فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَطْعُومِ وَلَوْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ جَمْعُ عُقَارٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَغَيْرِ الْخَالِصِ مِنْ النُّخَالَةِ وَالْمِلْحِ وَالْوَرَقِ الْمُنَشِّي.
[قَوْلُهُ: قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ] احْتِرَازًا مِنْ الْأَمْلَسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ الْأَثَرَ بَلْ تَبْقَى مَعَهُ النَّجَاسَةُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
[قَوْلُهُ: لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ] أَيْ لَا مَكْتُوبٍ وَلَوْ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيِّ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا جِدَارِ مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرٍ، وَأَمَّا جِدَارُهُ فَظَاهِرُ النَّقْلِ الْكَرَاهَةُ فِيهِ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ بَلَلٌ فَيَلْتَصِقُ هُوَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ فَيُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ، وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ مِنْ دَاخِلٍ، وَيُحَرَّمُ مِنْ خَارِجٍ، وَيُكْرَهُ الِاسْتِجْمَارُ بِرَوْثٍ وَعَظْمٍ طَاهِرَيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَفُ دَوَابِّ الْجِنِّ، وَالثَّانِيَ طَعَامُهُمْ أَيْ يُكْسَى لَحْمًا أَعْظَمَ مَا كَانَ، فَفِي الْحَدِيثِ يَصِيرُ الْعَظْمُ كَأَوْفَرِ مَا كَانَ لَحْمًا، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يَأْكُلُونَ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَرُدَّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالشَّمِّ، وَمِنْهُمْ