وَاجِبِهِنَّ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ؟ قَالُوا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ قَالَ: هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ» .
(وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَوْلٌ وَلَا غَائِطٌ) وَلَا غَيْرُهُمَا مِمَّا يَسْتَنْجِي (وَتَوَضَّأَ) أَيْ أَرَادَ الْوُضُوءَ (لِ) أَجْلِ خُرُوجِ (حَدَثٍ) مُرَادُهُ بِهِ الرِّيحُ فَقَطْ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتِ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» (أَوْ) أَرَادَهُ (لِ) أَجْلِ حُصُولِ (نَوْمٍ) مُسْتَثْقَلٍ (أَوْ) أَرَادَهُ لِ (غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ) مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ (فَلَا بُدَّ) لَهُ (مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ) بِمَعْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) وَفِي
ــ
[حاشية العدوي]
فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنِيِّ، وَكَذَا يَتَعَيَّنُ فِي مُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيرًا، وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَلَوُّثِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا.
قَالَهُ تت: قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ عَادَةِ كُلِّ شَخْصٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي الْمُنْتَشِرِ، فَيَغْسِلُ مَا جَاوَزَ مَحَلَّ الرُّخْصَةِ فَقَطْ، وَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فِي الْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَغْتَفِرُونَ الْيَسِيرَ مُنْفَرِدًا دُونَهُ مُجْتَمِعًا [قَوْلُهُ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ] هُمْ سُكَّانُ الْمَدِينَةِ، وَالْمُهَاجِرُونَ سُكَّانُ مَكَّةَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ السِّنْدِيُّ تَخْصِيصُهُمْ بِالْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْمُهَاجِرِينَ، كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ اهـ.
[قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا إلَخْ] أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: ١٠٨] [قَوْلُهُ: قَالُوا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ] فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ أَتَى لَهُمْ ذَلِكَ؟ قُلْت: وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَنْصَارِ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطُّهُورِ فَمَا تَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا رَأَيْنَا جِيرَانَنَا مِنْ الْيَهُودِ يَتَطَهَّرُونَ بِالْمَاءِ، وَيُرِيدُونَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ فَفَعَلْنَا نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَدَعُوهُ أَبَدًا» اهـ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانُ الْمُوجِبِ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرُ كَمَا قَالَ شَارِحُهُ السِّنْدِيُّ.
[قَوْلُهُ: هُوَ] أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ أَيْ وَالطُّهُورُ فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكُمْ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ جَمَاعَةٌ، فَمَا وَجْهُ الْإِفْرَادِ قُلْت لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَّلَهُمْ لِشِدَّةِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَنْزِلَةَ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَفْرَدَ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ فَعَلَيْكُمُوهُ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فَفِيهِ تَفَنُّنٌ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الثَّنَاءَ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْمَاءِ، وَنَصُّهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُونَ. قَالُوا نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ، ثُمَّ نَتْبَعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ.
تَنْبِيهٌ: أَفَادَ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ.
[قَوْلُهُ: وَلَا غَيْرُهُمَا] أَيْ كَوَدْيٍ وَمَذْيٍ، [قَوْلُهُ: كَمَا فَسَّرَهُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ حَصْرَ الْحَدَثِ فِي الرِّيحِ فَقَطْ، بَلْ أَرَادَ التَّنْبِيهَ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدِّ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ تَفْسِيرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، تَفْسِيرُهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا، وَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» اهـ.
[قَوْلُهُ: لَا يَقْبَلُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ مَلْزُومُهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، [قَوْلُهُ: فُسَاءٌ] بِضَمِّ الْفَاءِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْفُسَاءُ إلَخْ، يَخْرُجُ بِغَيْرِ صَوْتٍ يُسْمَعُ.
[قَوْلُهُ: أَوْ ضُرَاطٌ] بِضَمِّ الضَّادِ، [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَحْدَاثِ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْأَحْدَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَدَثَ يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ إلَّا الرِّيحَ فَقَطْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ كَالرِّدَّةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَالرَّفْضِ وَبَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ.
[قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ ثُمَّ أَقُولُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدًا لَا