رَبِّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ) .
حَاصِلُ مَا قَالَ إنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ فَلْيَفْعَلْهُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مَعَ إخْلَاصِهِ طَامِعًا فِي أَنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهُ مِنْهُ وَلَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ، وَأَنْ يُثِيبَهُ عَلَيْهِ وَأَنْ يُطَهِّرَهُ بِهِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّ فِعْلَهُ لِلْوُضُوءِ لِأَجْلِ التَّأَهُّبِ وَالتَّنْظِيفِ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وُقُوفًا مَعْنَوِيًّا (لِ) أَجْلِ (أَدَاءِ فَرَائِضِهِ) أَيْ مَا فَرَضَ اللَّهُ.
(وَ) لِأَجْلِ (الْخُضُوعِ) أَيْ التَّذَلُّلِ (لَهُ) تَعَالَى (بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا لِأَنَّ بِهِمَا يَقَعُ التَّذَلُّلُ؛ وَلِأَنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَإِذَا أَشْعَرَ نَفْسَهُ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ قَلْبِهِ الْإِجْلَالُ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِيهِ رِكَّةً بِاعْتِبَارِ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَعْنِي التَّأَهُّبَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ مُنَاجَاةُ رَبِّهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْوُضُوءَ فِي حَالِ كَوْنِهِ تَأَهُّبًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ ثَابِتٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَخْذِ كَوْنِهِ تَأَهُّبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ.
[قَوْلُهُ: إنَّ الْمُكَلَّفَ] بِكَسْرِ إنَّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ حَاصِلُ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُكَلَّفَ إلَخْ [قَوْلُهُ: إنَّ الْمُكَلَّفَ] التَّقْيِيدُ بِالْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: وَتَطْهِيرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الصَّبِيِّ ذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: فَلْيَفْعَلْهُ خَالِصًا] هَذَا أَمْرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَصَحَّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ بِأَنْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى فَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا أَيْ فَيَطْلُبُ اللَّهُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا أَنْ يَفْعَلَهُ لَمَا اُحْتِيجَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ] أَيْ بِالْإِخْلَاصِ أَيْ بِعَدَمِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ الثَّوَابُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَيَكُونُ مَعَ إخْلَاصِهِ وَهَذَا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ حِلُّهُ أَوَّلًا فَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ مَعَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَحْذِفَ وَطَمَعًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يُطَهِّرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ لِأَجْلِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِثَابَةُ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ مِنْ ثَمَرَاتِ الْقَبُولِ فَكَأَنَّهُمَا هُوَ فَصَحَّ مَا قَالَ.
[قَوْلُهُ: أَنَّ فِعْلَهُ لِلْوُضُوءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِعْلٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ الْفِعْلُ بِالْفِعْلِ؟ فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ أَيْ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ التَّأَهُّبِ إلَخْ] هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى نَصْبِ تَأَهُّبٍ وَتَنَظُّفٍ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَهُ إمَّا رَفْعُهُمَا أَوْ نَصْبُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرَانِ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ خَبَرُ أَنَّ وَالتَّقْدِيرُ وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمُعَلَّلَ بِالتَّأَهُّبِ وَالتَّنْظِيفِ كَائِنٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ الرَّبِّ، فَالتَّعْلِيلُ بِمُنَاجَاةِ الرَّبِّ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ لَهُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ التَّأَهُّبُ وَالتَّنَظُّفُ، هَذَا مَدْلُولُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ إلَخْ] عِيَاضٌ: مُنَاجَاةُ اللَّهِ إخْلَاصُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ السِّرِّ لِذِكْرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فِي الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: وَلِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ] الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ مُقَدَّمٌ اعْتِبَارًا عَلَى الْمُنَاجَاةِ [قَوْلُهُ: وُقُوفًا مَعْنَوِيًّا] رَدَّهُ تت بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْمُتَوَضِّئِ لِلْمُنَاجَاةِ حِسِّيٌّ اهـ.
وَرَدَّهُ عج بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ وُقُوفَ الْمُصَلِّي لَا يَكُونُ حِسِّيًّا دَائِمًا كَمَنْ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ جَالِسًا، فَحَمْلُ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ لِكُلِّ مُصَلٍّ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْوُقُوفِ.
وَأَمَّا الْبَيْنِيَّةُ فَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ جَزْمًا [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي الْمُنَاجَاةَ وَالْوُقُوفَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ] أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ فَرَائِضِهِ وَفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيْ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْفَرَائِضَ بِالذِّكْرِ لِآكَدِيَّتِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا فَرَضَ اللَّهُ] حَذَفَ الْعَائِدَ وَالتَّقْدِيرُ مَا فَرَضَهُ أَوْ مَا فَرَضَهَا بِاعْتِبَارِ مُرَاعَاةِ لَفْظِ مَا أَوْ مَعْنَاهَا.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا] أَيْ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ التَّذَلُّلَ بِغَيْرِهِمَا أَيْضًا.
[قَوْلُهُ: يَقَعُ التَّذَلُّلُ] أَيْ. يَحْصُلُ التَّذَلُّلُ أَعْنِي الْكَامِلَ، وَاسْمُ إنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَخَبَرُهَا جُمْلَةُ يَقَعُ إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: بِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَقَعُ وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَقْرَبَ إلَخْ] أَقْرَبُ مُبْتَدَأٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَكَانَ تَامَّةٌ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُرْبِ وَلَيْسَتْ مِنْ تَفْضِيلِيَّةً، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ لِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ لَا بِأَمْرَيْنِ كَالْإِضَافَةِ وَمِنْ