الشَّعْرُ مَرْخُوًّا بِحَيْثُ يَدْخُلُ الْمَاءُ وَسَطَهُ، وَإِلَّا كَانَ غُسْلُهَا بَاطِلًا، وَالرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ (يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ) وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْأَيْمَنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَيَامِنِ مُسْتَحَبَّةٌ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى شِقَّيْهِ (يَتَدَلَّكُ) وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ (بِيَدَيْهِ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى الدَّلْكِ الْمُخْتَصَرِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ غَسْلِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهُمَا مُطْلَقًا وَقِيلَ: هُوَ مُخَيَّرٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا إلَى آخِرِ غُسْلِهِ) دَلِيلُ الْمَشْهُورِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ،
ــ
[حاشية العدوي]
ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ اهـ، أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ جَسَدِكِ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الدَّلْكَ؛ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ الْإِسَالَةُ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَفَاضَ بِمَعْنَى غَسَلَ فَالْخِلَافُ فِيهِ قَائِمٌ.
[قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ مَرْخُوًّا] أَيْ وَكَانَ إمَّا مَضْفُورًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِالشَّدِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّدَّ لَيْسَ قَوِيًّا جِدًّا، بَلْ شَدٌّ يُمْكِنُ دُخُولُ الْمَاءِ وَسَطَهُ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ حَلُّ عِقَاصِهَا لَا يَلْزَمُهَا نَزْعُ خَاتَمِهَا وَلَا تَحْرِيكُهُ، وَكَذَا سَائِرُ أَسَاوِرِهَا وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ زُجَاجًا وَلَوْ ضَيِّقَةً، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَزْعُ خَاتَمِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَوْ ضَيِّقًا.
[قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ] أَيْ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ شَعْرُهُ مَضْفُورًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ يُكْرَهُ.
[قَوْلُهُ: عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ] أَيْ كُلِّهِ وَكَذَا الْأَيْسَرُ وَيُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَعْلَى كُلِّ جَانِبٍ يُقَدَّمُ عَلَى أَسْفَلِهِ وَمُنْتَهَى الْأَعْلَى إلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَيَبْدَأُ بِأَعْلَاهُ إلَى رُكْبَتِهِ نَدْبًا، ثُمَّ بِرُكْبَتَيْهِ إلَى أَسْفَلِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بِأَعْلَى الْيَسَارِ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَسْفَلِهِ ثُمَّ يَلِي الْيَسَارَ الظَّهْرُ ثُمَّ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ قَالَهُ زَرُّوقٌ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَقْدِيمُ أَسَافِلِ الْيُمْنَى عَلَى أَعَالِي الْيَسَارِ وَالشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ الْأَسْفَلَانِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالصَّدْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ الْمَطْلُوبُ إنَّمَا هُوَ تَقْدِيمُ أَعَالِي كُلِّ جِهَةٍ عَلَى أَسَافِلِهَا كَذَا فِي عبق عَلَى خَلِيلٍ وَقَوْلُ زَرُّوقٍ ثُمَّ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ لَمْ يُرَتِّبْ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّدْرَ عَلَى الْبَطْنِ، وَسَكَتَ عَنْ الرَّقَبَةِ وَهِيَ بَعْدَ الرَّأْسِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ مَا نَصُّهُ وَقَالَ بَعْضٌ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى الْأَيْمَنِ إلَى الرُّكْبَةِ ثُمَّ يُفِيضُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ إلَى الرُّكْبَةِ، ثُمَّ يُفِيضُهُ عَلَى أَسْفَلِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ أَسْفَلِ الْأَيْسَرِ وَسَكَتَ عَنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ.
قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ لِدُخُولِهِمَا فِي الشِّقَّيْنِ اهـ، الْمَقْصُودُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ رَجَّحَهَا شَيْخُنَا الصَّغِيرُ وَضَعَّفَ كَلَامَ زَرُّوقٍ الْمُتَقَدِّمَ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى شِقَّيْهِ إلَخْ] ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَدَلَّكُ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَإِذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْأَيْسَرِ دَلَّكَ الشِّقَّيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُدَلِّكُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ قَبْلَ الصَّبِّ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ غَيْرِ شَارِحِنَا وَيَتَدَلَّكُ بِيَدَيْهِ بِالتَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ لَا بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ تَأَخُّرَ الدَّلْكِ بَعْدَ الصَّبِّ عَلَى الشِّقَّيْنِ.
[قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ] ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَقْيِيدَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ هَذِهِ النِّيَّةِ فَقَطْ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ فِي فِعْلِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَنْوِ رَفْعَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ عِنْدَ غَسْلِ ذَكَرِهِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِتِلْكَ النِّيَّةِ وَلَا لِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْأَكْبَرِ، [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ] أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِذَا قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَغْسِلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
[قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ نَقِيًّا أَمْ لَا، يُفَسِّرُهُ الرَّابِعُ الْمُفَصَّلُ الَّذِي نَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ مُخَيَّرٌ إلَخْ، أَيْ مُطْلَقًا وَهُنَاكَ رَابِعٌ يُفَصِّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ نَقِيًّا وَيُؤَخِّرُ إنْ كَانَ وَسِخًا وَهَذَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْغُسْلِ الْوَاجِبِ.
وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَيُقَدِّمُهُمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ وَالْغُسْلَ تَابِعٌ مَنْدُوبٌ فَيَكُونُ فَاصِلًا مُخِلًّا بِالْفَوْرِ وَقَطَعَ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ