للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا، وَقَدْ بَدَأَ الشَّيْخُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: (أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ) الْفَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الضَّمِيرِ الْأَوَّلِ الْمُنْفَصِلِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ، وَجَوَابُ أَمَّا يَأْتِي وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ الصُّبْحُ وَالْوُسْطَى وَالْفَجْرُ، وَبَقِيَ رَابِعٌ وَهِيَ الْغَدَاةُ وَالصُّبْحُ مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّبَاحِ وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَقِيلَ: مِنْ الصَّبَاحَةِ وَهِيَ الْجَمَالُ، وَالْفَجْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْفِجَارِ وَنِسْبَتُهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهَا الْوُسْطَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَضِيًا لَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أَكَّدَ اللَّهُ الْأَمْرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ.

وَجَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ: (فَأَوَّلُ وَقْتِهَا) يَعْنِي الِاخْتِيَارِيَّ (انْصِدَاعُ) أَيْ انْشِقَاقُ (الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ) أَيْ الْمُنْتَشِرِ (بِالضِّيَاءِ فِي أَقْصَى) أَيْ أَبْعَدِ (الْمَشْرِقِ) وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَخَرَجَ بِالْمُعْتَرِضِ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ لِأَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ صَادِقٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ، وَكَاذِبٌ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَصْعَدُ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ مُسْتَدِقًّا فَلَا يَنْتَشِرُ، وَهَذَا لَا حُكْمَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: (ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَرْتَفِعَ فَيَعُمَّ) أَيْ يَسُدَّ (الْأُفُقَ) مُشْكِلٌ لَمْ يُصِبْ أَحَدٌ حَقِيقَتَهُ، وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَهُ إنَّمَا يَتَأَوَّلُهُ بِالْحَزْرِ وَقَدْ نَقَلْنَا فِي

ــ

[حاشية العدوي]

مُرَادَهُ إذَا كَانَ التَّعْيِينُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ بَلْ مَعْرِفَةُ وَاحِدٍ مِنْهَا يَكْفِي اهـ.

[قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ إلَخْ] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَعْيِينُ الشَّيْءِ وَتَخْصِيصُهُ مِنْ الْجُمْلَةِ اهـ.

فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ [قَوْلُهُ: أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ] أَيْ أَمَّا صَلَاةٌ هِيَ الصُّبْحُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ [قَوْلُهُ: لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ] مُرَادُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ الْوَاقِعَةَ فِي الْجَوَابِ فَهِيَ زَائِدَةٌ [قَوْلُهُ: الصُّبْحُ إلَخْ] وَيَكُون إضَافَةُ صَلَاةٍ إلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى اسْمِهِ [قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّبَاحِ وَهُوَ الْبَيَاضُ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْبَيَاضِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ الصَّبَاحَةِ وَهِيَ الْجَمَالُ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ جَمَالِ الدُّنْيَا بِالضَّوْءِ.

[قَوْلُهُ: وَالْفَجْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْفِجَارِ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ انْفِجَارِ الْفَجْرِ، وَسُمِّيَتْ بِالْوُسْطَى لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَ أَرْبَعٍ مُشْتَرَكَاتٍ الظُّهْرُ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَهِيَ مُسْتَقِلَّةٌ، أَوْ لِأَنَّ الْوُسْطَى مَعْنَاهَا الْفُضْلَى وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ حَضَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: {حَافِظُوا} [البقرة: ٢٣٨] إلَخْ.

وَسُمِّيَتْ بِالْغَدَاةِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ الْغَدَاةِ وَهِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ. [قَوْلُهُ: هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ إلَخْ] وَقِيلَ: الْعَصْرُ، وَمَالَ إلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْهُمْ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَاكِهَانِيُّ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الصُّبْحُ.

[قَوْلُهُ: بِالضِّيَاءِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ لِأَنَّ الْفَجْرَ الصَّادِقَ هُوَ الضِّيَاءُ الْمُنْتَشِرُ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ كَمَا تُفِيدُهُ الْعِبَارَةُ لَوْ لَمْ تُجْعَلْ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الْخَطَّابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الضِّيَاءُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَوْضِعَهَا عَلَى الدَّوَامِ أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَجْرَ ضَوْءُ الشَّمْسِ وَهِيَ تَارَةً تَطْلُعُ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَجْرَ مَعْنَاهُ الْبَيَاضُ وَيَتَنَوَّعُ إلَى كَاذِبٍ وَصَادِقٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ الْكَاذِبَ لَا يَنْتَشِرُ لِدِقَّتِهِ وَيَنْقَطِعُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا قَرُبَ زَمَنُ الصَّادِقِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ: أَبْيَضُ مُسْتَدَقٌّ مُسْتَطِيلٌ وَالصَّادِقُ يَنْتَشِرُ لِقُرْبِهَا وَيَعُمُّ الْأُفُقَ. [قَوْلَةُ: كَذَنَبِ السِّرْحَانِ] شَبَّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فِي أَنَّ لَوْنَهُ مُظْلِمٌ وَبَاطِنُ ذَنَبِهِ أَبْيَضُ كَمَا أَفَادَهُ ح. [قَوْلُهُ: أَيْ الذِّئْبِ] اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ السِّرْحَانِ عَلَى الذِّئْبِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَالْأَسَدِ فَفِي ح وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ وَيُوَافِقُهُ الْمِصْبَاحُ، حَيْثُ قَالَ: وَالسِّرْحَانُ بِالْكَسْرِ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ وَالْجَمْعُ سَرَاحِينُ وَيُقَال لِلْفَجْرِ الْكَاذِبِ سِرْحَانٌ عَلَى التَّشْبِيهِ اهـ.

[قَوْلُهُ: الْأُفُقَ] بِضَمِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>