أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِي بِتَرْكِهِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَرَادَ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ بَدَلٍ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ، وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ الْعَزْمِ عَلَى أَدَائِهَا.
(وَ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ كُلَّهُ سَوَاءٌ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ فِي الْفَضِيلَةِ فَ (أَفَضْلُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ (أَوَّلُهُ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغُسْلٍ» وَعَلَيْهِ وَاظَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِهِ الْمُخْتَارِ (إذَا زَالَتْ) أَيْ مَالَتْ (الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا وَكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ عَبَّرَ بِهِ عَنْ وَسَطِ (السَّمَاءِ) مَجَازًا لِأَنَّ الْكَبِدَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَيَوَانِ، فَلَمَّا كَانَ مَوْضِعُ الْكَبِدِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَسَطَهُ عَبَّرَ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ بِالْكَبِدِ، ثُمَّ فَسَّرَ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنَاسِبُ الْمُعَلَّلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ عَدَمُ التَّفْرِيطِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِيقَاعِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ هُوَ الَّذِي قَبْلَ الْبَيِّنِ وَآخِرُهُ هُوَ الَّذِي بَعْدَ الْبَيِّنِ الَّذِي هُوَ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ، عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَقْتُ الِانْصِدَاعِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وُقُوعُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاقَشَةٌ مَعَ الشَّارِحِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ ظَاهِرٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ الِانْصِدَاعِ إلَى الْإِسْفَارِ وَقْتُ تَوْسِعَةٍ لَا ضِيقَ عَلَى الْمُصَلِّي فِيهِ، وَيَأْتِي الضِّيقُ فِي الْإِسْفَارِ الَّذِي إذَا سَلَّمَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ أَثْنَاءَ الْوَقْتِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ صَارَ فِي حَقِّهِ مُضَيَّقًا، فَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ فَيَأْثَمُ مَاتَ أَوْ لَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ وَصَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا قَضَاءً عَمَلًا فِي ظَنِّهِ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.
قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْمَوْتِ ظَنَّ بَاقِي الْمَوَانِعِ الَّذِي طُرُوءُهَا مُسْقِطٌ كَالْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَوْ أَخَّرَتْ لَا تَقْضِي لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْإِثْمَ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ] أَيْ لِلصُّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ] رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَآخِرَهُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ مُطْلَقًا. الثَّانِي: وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ أَفْضَلُ.
الثَّالِثُ: لِسَنَدٍ أَنَّ فِعْلَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ مِنْ التَّغْلِيسِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ. الرَّابِعُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ.
[قَوْلُهُ: بِغَلَسٍ إلَخْ] الْغَلَسُ اخْتِلَاطُ ضَوْءِ الصُّبْحِ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَوَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» فَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» . وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَدْرَك الْفَجْرِ خَفِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَعُثْمَانُ] لَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا لَعَلَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ عَنْهُ حَالَةً مُعَيَّنَةً لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي زَمَنِهِ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ إلَخْ] نَزَلَ جِبْرِيلُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ «وَصَلَّى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، وَالصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَكَذَا الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَصَلَّاهَا حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ» .
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ رَاعَى أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْمُصَلِّي أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: مَجَازًا] أَيْ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ