للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ (وَ) هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَمَّا الرَّجُلُ فَ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِقَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ: إنَّ مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى السُّنَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا تَرَاخَى مَا بَيْنَهُمَا بَطَلَتْ الْإِقَامَةُ وَاسْتُؤْنِفَتْ، (وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ أَقَامَتْ فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمْ (فَلَا حَرَجَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ لَا إثْمَ (عَلَيْهَا) .

وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ نَبَّهَ عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

الْمُسَافِرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ، بَلْ وَلَوْ كَانَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ.

[قَوْلُهُ: «إذَا كُنْت فِي غَنَمِك» ] أَيْ إذَا كُنْت فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ بِغَنَمِك.

[قَوْلُهُ: «أَوْ بَادِيَتِك» ] يَحْتَمِلُ أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ الْغَنَمَ قَدْ لَا تَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ حَيْثُ لَا غَنَمَ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْبَادِيَةِ بَدْوِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.

[قَوْلُهُ: فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ] أَيْ أَعْلَمْت بِوَقْتِهَا.

[قَوْلُهُ: بِالنِّدَاءِ] أَيْ الْأَذَانِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ أَذَانَ الصَّلَاةِ كَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالرَّفْعِ دُونَ أَصْلِ التَّأْذِينِ.

[قَوْلُهُ: نَدَى صَوْتِ] كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ نَدَى بِنُونٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْقَامُوسِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيَّ مَدَى صَوْتِ بِمِيمٍ وَدَالٍ.

وَقَالَ السِّنْدِيُّ عَلَى النَّسَائِيّ: بِفَتْحِ مِيمٍ وَخِفَّةٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ، أَيْ غَايَةَ صَوْتِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ مَدَّ صَوْتِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ دَالٍ أَيْ تَطْوِيلَهُ انْتَهَى كَلَامُ السِّنْدِيِّ.

وَإِذَا شَهِدَ لَهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ مُنْتَهَى صَوْتِهِ فَلَأَنْ يَشْهَدَ لَهُ مَنْ دَنَا مِنْهُ وَسَمِعَ مَبَادِئَ صَوْتِهِ أَوْلَى.

[قَوْلُهُ: إنْسٌ إلَخْ] قِيلَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِ فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا لَا يَسْلَمُ لِقَائِلِهِ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ خِلَافِهِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا جِنٌّ] قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يُرِيدَ مُؤْمِنِي الْجِنِّ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَشْهَدُونَ لِلْمُؤَذِّنِ بَلْ يَفِرُّونَ وَيَنْفِرُونَ مِنْ الْأَذَانِ.

[قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ] ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهَا إدْرَاكًا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ خُزَيْمَةَ: «لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ شَجَرٌ وَلَا مَدَرٌ وَلَا حَجَرٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا إنْسٌ» .

[قَوْلُهُ: «إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ] قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ اشْتِهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، أَيْ وَإِلَّا كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ قَوْمًا فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ بِالشَّهَادَةِ آخَرِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى الْمُوَطَّأِ.

[قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةٌ.

[قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى السُّنَّةِ] أَيْ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَيْ سُنَّةِ عَيْنٍ لِبَالِغٍ يُصَلِّي وَلَوْ فَاتَتْهُ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا بِنِسَاءٍ فَقَطْ، وَكِفَايَةٍ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالذُّكُورِ، وَمَحِلُّ سُنَّةِ الْإِقَامَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُتَّسِعًا وَإِلَّا تَرَكَهَا.

[قَوْلُهُ: وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ إلَخْ] أَيْ وَلِبُطْلَانِهَا عَلَى قَوْلٍ بِتَرْكِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْأَذَانَ لِوُجُوبِهِ فِي الْمِصْرِ، وَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ الْإِمَامَةَ عَلَيْهِمَا لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَى الْإِمَامَةِ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَاخَى إلَخْ] وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ شُرْبَ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا.

[قَوْلُهُ: مُسْتَحَبٌّ] أَيْ إذَا صَلَّتْ وَحْدَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُقِيمَةً لِلْجَمَاعَةِ وَلَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِإِقَامَتِهَا لَهُمْ كَالْأَذَانِ، نَعَمْ يَسْقُطُ النَّدْبُ عَنْهَا بِإِقَامَتِهِمْ.

[قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ] هَذَا غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ.

[قَوْلُهُ: أَيْ لَا إثْمَ] أَيْ وَأَمَّا اللُّوَّمُ فَهُوَ ثَابِتٌ، وَيُنْدَبُ الْإِسْرَارُ فِي الْإِقَامَةِ لِلْمُنْفَرِدِ فَالذَّكَرُ الْمُنْفَرِدُ إذَا أَقَامَ سِرًّا أَتَى بِسُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَأْتِي بِمُسْتَحَبَّيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ] يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَمْرَانِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَشَيْءٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ الْأَوَّلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا شَيْئَانِ وَعِبَارَةُ تت أَحْسَنُ وَنَصُّهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>