للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَضَعُهُمَا عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ أَصَابِعَهُمَا لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَكَعَ فَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّهُمَا» .

(وَتُسَوِّي ظَهْرَك مُتَسَوِّيًا) أَيْ مُعْتَدِلًا لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَوِّي ظَهْرَهُ» (وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك وَلَا تُطَأْطِئُهُ) أَيْ لَا تُصَوِّبُهُ إلَى أَسْفَلَ (وَتُجَافِي) أَيْ تُبَاعِدُ (بِضَبْعَيْك) بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ عَضُدَيْك (عَنْ جَنْبَيْك) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاعِدُهُمَا جِدًّا وَلَكِنْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَجْنَحُ بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَكِنْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ غَيْرِ أَنَّهَا تَنْضَمُّ، وَسَكَتَ عَنْ تَسْوِيَةِ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي الِانْحِنَاءِ يَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ تَسْوِيَةِ الْقَدَمَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يَقْرُنَهُمَا. وَهُوَ مَكْرُوهٌ.

(وَتَعْتَقِدُ) بِقَلْبِك (الْخُضُوعَ) أَيْ التَّذَلُّلَ (بِذَلِكَ) ع: بَعْضُهُمْ جَعَلَ الْإِشَارَةَ تَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَالتَّجَافِي وَتَسْوِيَةِ الظَّهْرِ وَتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَفْسِيرُهَا مَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ (بِرُكُوعِك وَسُجُودِك وَلَا تَدْعُو فِي رُكُوعِك) ك: هَكَذَا رَوَيْنَاهُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ» أَيْ حَقِيقٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ،

ــ

[حاشية العدوي]

وَضَعَ الْبَاقِيَةَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: يَضَعُهُمَا عَلَيْهِمَا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ] أَيْ نَدْبًا أَيْضًا لِأَجْلِ التَّمْكِينِ، وَبِكَوْنِ الْوَضْعِ مَنْدُوبًا تَكُونُ الْمَرَاتِبُ أَرْبَعًا أَدْنَاهَا السَّدْلُ. [قَوْلُهُ: ضَمَّهُمَا] أَيْ لِأَجْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.

[قَوْلُهُ: وَتُسَوِّي ظَهْرَك] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ. قَالَ عج: اعْلَمْ أَنَّ تَسْوِيَةَ الظَّهْرِ لَا تَسْتَلْزِمُ تَمْكِينَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ، وَأَنَّ تَمْكِينَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الظَّهْرَ فَلِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَحِينَئِذٍ فَفَاتَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَوْ هُوَ وَتَمْكِينُ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ اهـ.

[قَوْلُهُ: مُسْتَوِيًا] حَالٌ مُؤَكِّدٌ [قَوْلُهُ: لَمَّا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ] بِالْهَاءِ وَصْلًا وَوَفْقًا.

[قَوْلُهُ: وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك] أَيْ نَدْبًا وَقَوْلُهُ: وَلَا تُطَأْطِئُهُ أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَتُجَافِي] أَيْ نَدْبًا فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ [قَوْلُهُ: بِضَبْعَيْك] قَالَ تت: كَأَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تُجَافِي بِمَعْنَى تَنْبُو فَتَكُونُ لِلتَّعَدِّيَةِ. [قَوْلُهُ: يَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِانْحِنَاءِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ عج [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ لَا يَقْرِنَهُمَا إلَخْ] أَيْ فَعَدَمُ الْإِقْرَانِ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ] أَيْ الْإِقْرَانُ الْمَفْهُومُ مِنْ يَقْرِنُ.

[قَوْلُهُ: وَتَعْتَقِدُ بِقَلْبِك الْخُضُوعَ] أَيْ التَّذَلُّلَ إلَخْ، أَيْ تَعْتَقِدُ بِقَلْبِك أَنَّك مُتَذَلِّلٌ بِانْحِنَائِك وَتُجَافِيك وَتَسْوِيَةِ ظَهْرِك، أَيْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّك مُتَذَلِّلٌ لِلرَّبِّ بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ.

تَنْبِيهٌ:

حُكْمُ هَذَا الِاعْتِقَادِ النَّدْبُ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِهَا الَّتِي لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَخْ] أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْحَاصِلَةِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَفْرَدَ اسْمَ الْإِشَارَةِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ أَشْيَاءُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدِّمِ كَقَوْلِهِمْ أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ.

[قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالْخُضُوعِ لَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَعْنِي فَعَظَّمُوا لِلنَّدْبِ فَلَا يَنْتِجُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلُهُ الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَةُ مَكْرُوهَةً لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ] أَرَادَ بِهِ مَا قَابَلَ الْحُرْمَةَ فَيُصَدَّقُ بِالْكَرَاهَةِ الْمُرَادَةِ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْمُدَاوَمَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَأَتَمُّ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>