وَالْأَوَّلُ عَلَى بَيَانِ الْأَوْلَوِيَّةِ.
(وَقُلْ إنْ شِئْت سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ) ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فَكَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ؟ (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَدِ مَا يَقُولُ فِي الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ السُّجُودِ (تَوْقِيتُ قَوْلٍ) أَيْ تَحْدِيدُ مَا يَقُولُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِحَدٍّ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُسَبِّحَ ثَلَاثًا لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» . (وَلَا حَدَّ فِي اللُّبْثِ) أَيْ الْمُكْثِ فِي الرُّكُوعِ يُرِيدُ فِي أَكْثَرِهِ.
وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ (تَرْفَعُ رَأْسَك وَأَنْتَ قَائِلٌ سَمِعَ) يَعْنِي اسْتَجَابَ (اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) إنْ كُنْت
ــ
[حاشية العدوي]
الدُّعَاءَ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي تَبَعٌ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي قَبْلَهُ اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا.
[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُخَبَّرُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاخِ مَنْ قَالَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّسْبِيحِ، فَأَيُّ لَفْظٍ قَالَهُ كَانَ آتِيًا بِالْمَنْدُوبِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ اهـ.
وَسُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ فَالْمُرَادُ مُسَبِّحٌ مُقَدِّسٌ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ إلَخْ، فَمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمُبَرَّأُ مِنْ النَّقَائِصِ وَالشَّرِيكِ وَكُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِأُلُوهِيَّتِهِ، وَمَعْنَى الثَّانِي الْمُطَهَّرُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ اهـ.
وَإِذَا تَأَمَّلْت تَعْرِفُ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
[قَوْلُهُ: أَيْ فِي عَدَدِ مَا يَقُولُ] أَيْ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يَتَحَدَّدُ بِعَدَدٍ بِحَيْثُ إذَا نُقِضَ عَنْهُ يَفُوتُهُ الثَّوَابُ، بَلْ إذَا سَبَّحَ مَرَّةً حَصَلَ الثَّوَابُ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ الثَّوَابُ بِزِيَادَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ السُّجُودُ] إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ السُّجُودُ إشَارَةً إلَى خُرُوجِهِ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّتِي فِي الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْمُخَالَفَةُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ عَدَمُ التَّحْدِيدِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُفِيدُ التَّحْدِيدَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ صِفَةُ الْقَوْلِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي يُطْلَبُ فِعْلُهَا.
[قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ إلَخْ] لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرُّكُوعَ حَالَةَ خُضُوعٍ مُنَافِيَةً لِلتَّعْظِيمِ اللَّائِقِ بِمَقَامِ رَبِّ الْبَرِّيَّةِ فَنَاسَبَ وَصْفُ الْبَارِي بِهِ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَإِذَا سَجَدَ قَالَ إلَخْ] لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ فِي حَالِ سُجُودِهِ مُتَّصِفًا بِالسُّفْلِ وَوَصْفُهُ مُقَابِلٌ لِوَصْفِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ صِفَةَ الرَّبِّ الْمُقَابِلَةِ لِتِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ الْعُلُوُّ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةُ الرَّبِّ مَعْنَوِيَّةً وَصِفَةُ الْعَبْدِ حِسِّيَّةً فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ إلَخْ] الَّذِي قِيلَ فِي الرُّكُوعِ يُقَالُ هُنَا.
[قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلِ ثَلَاثًا أَدْنَاهُ، أَيْ التَّمَامُ أَيْ أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّمَامِ أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَحِينَئِذٍ، فَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ، أَيْ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلِ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ وَأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا أَيْ لَا أَنْقَصُ فَلَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ فِي أَكْثَرِهِ] أَيْ الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ.
وَفِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّحْدِيدِ يَحُدُّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، وَفِي الْفَذِّ مَا لَمْ يُطَوِّلْ جِدًّا وَإِلَّا كُرِهَ. أَيْ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَهُ فِي النَّافِلَةِ التَّطْوِيلُ مَا شَاءَ.
[قَوْلُهُ: فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ] أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْ تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُك. [قَوْلُهُ: تَرْفَعُ رَأْسَك] أَيْ وُجُوبًا حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: وَأَنْتَ قَائِلٌ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي اسْتِحْبَابَ إلَخْ] أَيْ اسْتِحْبَابَ اللَّهُ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عِلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَ الْحَطَّابُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَيْ إرَادَةِ اسْتِحْبَابِ مَنْ سَمِعَ الْإِتْيَانُ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَوْ كَانَ السَّمَاعُ عَلَى بَابٍ لَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ مَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّرْت دُعَاءً فَأَيْنَ هُوَ حَتَّى يُسْتَجَابَ أَوَّلًا، قُلْت: إنَّ الْحَامِدَ بِحَمْدِهِ