فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.
(ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ إلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ (يَقُومُ) إلَى الثَّالِثَةِ (فَلَا يُكَبِّرُ) عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِيَامِ بَلْ (حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا) عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِلْعَمَلِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ رُكْنٍ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ سُنَّةٍ إلَى فَرْضٍ فَالْفَرْضُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ إلَى الثَّالِثَةِ كَالْمُسْتَفْتِحِ لِصَلَاةٍ جَدِيدَةٍ (هَكَذَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ وَالرَّجُلُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَ) لَا يَقُومُ إلَّا (بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ) وَيَفْرُغَ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ (يَقُومُ الْمَأْمُومُ أَيْضًا فَإِذَا) قَامَ و (اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَمُقْتَدٍ بِهِ، فَسَبِيلُ أَفْعَالِهِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ أَفْعَالِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَسْبِقُونِي بِرُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ» فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.
(وَيَفْعَلُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ صِفَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَالرَّفْعُ مِنْهُمَا وَالِاعْتِدَالُ وَالطُّمَأْنِينَةُ (وَالْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدَيْنِ فِي الْقِيَامِ (نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) دَلِيلُهُ «فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَعْلِيمُهُ النَّاسَ» وَلَا خِلَافَ فِيهِ (وَيَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَشَارَ إلَى حُكْمِهِ وَعَدَدِهِ فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ لِلْمُصَلِّي (مِثْلُ ذَلِكَ) التَّنَفُّلِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَنْ
ــ
[حاشية العدوي]
يَجُوزُ الدُّعَاءُ فِيهِ كَالثَّانِي وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ.
[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَالَةَ الْقِيَامِ [قَوْلُهُ: هَكَذَا يَفْعَلُ إلَخْ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَيَتَشَهَّدُ إلَى قَوْلِهِ وَرَسُولُهُ فَالتَّحْدِيدُ فِي التَّشَهُّدِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الْإِمَامِ وَتَكْبِيرِهِ سَوَاءً بَلَغَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ بِلَا تَحْدِيدٍ فِي حَقِّهِ فَهَذِهِ فَائِدَةُ الِاسْتِئْنَافِ. [قَوْلُهُ: فَسَبِيلُ أَفْعَالِهِ] أَيْ طَرِيقُ أَفْعَالِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ] أَيْ فِيمَا ذَكَرَ أَيْ مِنْ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَّمَهُ النَّاسَ. [قَوْلُهُ: وَعَدَدُهُ] أَيْ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ، وَأَمَّا مُطْلَقُ ثَوَابٍ فَيَحْصُلُ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ] وَأَوْلَى مَنْ حَافَظَ عَلَى أَكْثَرَ إذْ التَّنَفُّلُ بَعْدَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ [قَوْلُهُ: حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ] أَيْ فَتَكُونُ الْمُدَاوَمَةُ الْمَذْكُورَةُ سَبَبًا فِي عَدَمِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ جَسَدُهُ عَلَى النَّارِ. [قَوْلُهُ: وَأَصْحَابُ السُّنَنِ] أَيْ الْأَرْبَعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد، فَإِنْ قُلْت حَيْثُ وَرَدَ الْحَثُّ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلُ وَأَرْبَعٍ بَعْدُ فَلِمَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّنَفُّلِ بَعْدُ؟ قُلْت: تَنْبِيهًا عَلَى الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا فَقَطْ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: حَسَنٌ صَحِيحٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْدًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَرْدًا فَإِطْلَاقُ الصِّحَّةِ وَالْحَسَنِ عَلَيْهِ يَكُونُ لِتَرَدُّدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي حَالَةِ نَاقِلِهِ هَلْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ أَوْ قَصَّرَ عَنْهَا فَهُوَ صَحِيحٌ بِحَسْبِ الْأَوَّلِ حَسَنٌ بِحَسْبِ الثَّانِي، غَايَتُهُ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْهُ حَرْفَ التَّرَدُّدِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَالْإِطْلَاقُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ إسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ حَسَنٌ. [قَوْلُهُ: غَرِيبٌ] الْغَرِيبُ حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ رَاوِيه بِرِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ، حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ التَّرَدُّدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَرِيبًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ] الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا خِلَافًا وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي ابْنِ نَاجِي الْمُفِيدُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ فِي الْمَذْهَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute