للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَنَفَّلَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ (قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» (وَيَفْعَلُ فِي) صَلَاةِ (الْعَصْرِ كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَةِ الظُّهْرِ سَوَاءً) لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ (إلَّا أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ مِثْلُ وَالضُّحَى وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَنَحْوَهُمَا) وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ مُخَالِفَةً لِصِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى السِّرِّ وَالْجَهْرِ أَتَى بِأَمَّا الْفَاصِلَةِ فَقَالَ: (وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهَا) فَقَطْ وَيُسِرُّ فِي الثَّالِثَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.

(وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ الْأُولَيَيْنِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْقِصَارِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ فَمُؤَوَّلٌ.

(وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ) بِسُكُونِ الطَّاءِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى حَسْبَ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الدَّهْرِ فَهِيَ مَضْمُومَةُ الطَّاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَقُولُهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ سُورَةً (وَ) إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (يَتَشَهَّدُ) وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُسَلِّمُ) عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الذِّكْرِ عَقِبَهَا (بِرَكْعَتَيْنِ) «لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ذَلِكَ (وَمَا زَادَ) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (فَهُوَ خَيْرٌ) لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] (وَإِنْ تَنَفَّلَ) بَعْدَهَا

ــ

[حاشية العدوي]

لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُنَا [قَوْلُهُ: رَحِمَ اللَّهُ إلَخْ] جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى، أَيْ اللَّهُمَّ ارْحَمْ إلَخْ.

وَدُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجَابٌ [قَوْلُهُ: بِالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ] فَلَوْ افْتَتَحَهَا بِسُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ تَرَكَهَا وَقَرَأَ قَصِيرَةً.

[قَوْلُهُ: وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ فَمُؤَوَّلٌ] أَيْ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ» ، فَأُوِّلَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيَضُرَّهُمْ وَإِلَّا فَاَلَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ التَّخْفِيفُ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ قَطُّ بِمَعْنَى حَسْبَ، أَيْ وَالْفَاءُ لِتَزْيِينِ اللَّفْظِ وَحَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ قَطُّ بِمَعْنَى حَسْبِ مَفْتُوحَةَ الْقَافِ سَاكِنَةَ الطَّاءِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَرْفَيْنِ وَحَسْبُ مُعْرَبَةً. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الدَّهْرِ] أَيْ الزَّمَنِ الْمَاضِي [قَوْلُهُ: مَضْمُومَةُ الطَّاءِ] أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ تَقُولُ: مَا فَعَلْته قَطُّ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ لَا أَفْعَلُهُ قَطُّ لَحْنٌ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَطُّ مَضْمُومَةُ الطَّاءِ مُشَدَّدَةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّفْيِ تَقُولُ: مَا فَعَلْته قَطُّ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَطَطْته أَيْ قَطَعْته، فَمَعْنَى قَطُّ مَا فَعَلْته فِيمَا انْقَطَعَ مِنْ عُمْرِي لِأَنَّ الْمَاضِيَ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَبُنِيَتْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى مُذْ وَإِلَى إذْ الْمَعْنَى مُذْ أَنْ خُلِقَتْ إلَى الْآنَ، وَعَلَى حَرَكَةٍ لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ، وَكَانَتْ الضَّمَّةُ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ، وَقَدْ تُكْسَرُ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ، وَقَدْ تَتْبَعُ قَافُهُ طَاءَه فِي الضَّمِّ، وَقَدْ تُخَفَّفُ طَاؤُهُ مَعَ ضَمِّهَا أَوْ إسْكَانِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّ هُنَاكَ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ و {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨] فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْصِدْ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تُضَمَّ الْقِرَاءَةُ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ، بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ بِهَا تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي دُعَائِهِ اهـ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا فَعَلَهُ لَمَّا ظَهَرْت الرِّدَّةُ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْآكَدِيَّةِ لِقَوْلِهِ: وَمَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى آكَدِيَّةِ بَعْضِ ذَلِكَ الزَّائِدِ، وَهُوَ هَذَا الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَحْدُودِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا زَادَ إلَخْ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُ الْمَحْدُودِ أَوَّلًا ثُمَّ يَعْقُبُهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ. وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ أَنَّ التَّحْدِيدَ غَيْرُ شَرْطٍ إلَّا فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>