للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِسِتِّ رَكَعَاتٍ فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ عِبَادَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» . رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي مُعْجَمَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» .

(وَالتَّنَفُّلُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مُرَغَّبٌ فِيهِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْله تَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: ١٦] فَقَالَ: الصَّلَاةُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ بِمِلَاغَاتِ النَّهَارِ وَتُهَذِّبُ آخِرَهُ» . الْمُلَاغَاتُ جَمْعُ مُلْغَاةٍ مِنْ اللَّغْوِ أَيْ تَطْرَحُ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْبَاطِلِ وَاللَّهْوِ (وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا فِي الثَّالِثَةِ (مِنْ شَأْنِهَا) أَيْ مِنْ صِفَتِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الِانْحِطَاطِ مِنْ الرُّكُوعِ وَتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا فِيهِ (كَمَا) أَيْ مِثْلُ الَّذِي (تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِهَا) مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَمَا بَعْدَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ.

(وَأَمَّا الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ) ع: هَذَا مِنْ لَحْنِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ثَمَّ عِشَاءً أُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: لَا تُسَمَّى الْمَغْرِبُ عِشَاءً لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَقَوْلُ مَالِكٍ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ تَغْلِيبٌ (وَهِيَ الْعَتَمَةُ وَاسْمُ الْعِشَاءِ أَخُصُّ بِهَا وَأَوْلَى) مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِالْعَتَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي الْأَوْقَاتِ (فَيَجْهَرُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْهُمَا هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (وَقِرَاءَتُهَا) أَيْ السُّورَةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ (أَطْوَلُ قَلِيلًا مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي) صَلَاةِ (الْعَصْرِ وَ) يَقْرَأُ (فِي الْأَخِيرَتَيْنِ) مِنْ الْعِشَاءِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا ثُمَّ يَفْعَلُ فِي سَائِرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصْفِ) فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.

وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فَمَنْ صَلَّاهَا عَلَى مَا وَصَفَ فَقَدْ صَلَّاهَا عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَقَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

ذَلِكَ الْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ] أَيْ بِحَرَامٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ الْمُبَاحُ إذَا كَثُرَ.

[قَوْلُهُ: عَدُلْنَ لَهُ عِبَادَةً] الَّذِي فِي تت عَنْ صَحِيحِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَدُلْنَ بِعِبَادَةٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ إلَخْ] قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ عِبَادَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ] أَيْ رَغْوَتِهِ [قَوْلُهُ: تَتَجَافَى بِهِمْ إلَخْ] أَيْ تَرْتَفِعُ وَتَتَنَحَّى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ الْفُرُشِ وَمَوَاضِعِ النَّوْمِ.

[قَوْلُهُ: بِمُلَاغَاتٍ إلَخْ] بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَسَمِعْته مِنْ لَفْظِهِ. [قَوْلُهُ: وَتُهَذِّبُ آخِرَهُ] أَيْ تُصَفِّي آخِرَهُ أَيْ بِذَهَابِ جَمِيعِ اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ [قَوْلُهُ: وَاللَّهْوُ] عَيْنُ مَا قَبْلَهُ أَيْ تَطْرَحُ مَا اقْتَرَفَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِحَيْثُ لَا يُلَامُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجُرُّهُ إلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مِنْ ذَنْبٍ صَغِيرٍ إلَى كَبِيرَةٍ، أَوْ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْعَفْوِ عَنْ كَبِيرَةٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةَ أَوْ عَفْوَ اللَّهِ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَقَوْلُ مَالِكٍ إلَخْ] نِسْبَةُ التَّثْنِيَةِ لِمَالِكٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِالتَّغْلِيبِ قُصُورٌ مَعَ كَوْنِ التَّثْنِيَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْغَزَالِيِّ. [قَوْلُهُ: وَأَوْلَى] تَفْسِيرُ [قَوْلِهِ: فَيَجْهَرُ] فَإِنْ خَالَفَ وَأَسَرَّ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى سُنَنِهَا إنْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ لَا السُّورَةَ فَقَطْ إلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ فَاتَ التَّدَارُكُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: أَطْوَلُ قَلِيلًا] أَيْ فَيَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْمُتَوَسِّطَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْمَغْرِبِ مَعَ أَنَّ الْمَغْرِبَ أَقْرَبُ لَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا عَيَّنَ الْقِرَاءَةَ فِي الْعَصْرِ. [قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا] أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْحَدِيثِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَقَبْلَ فِعْلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. وَكَذَا يُكْرَهُ السَّهَرُ بِلَا كَلَامٍ خَوْفَ تَفْوِيتِ الصُّبْحِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِمَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>